ليس جديداً القول إنّ كلّ ما يجري، اليوم، يصبّ في خانة انتخابات رئاسة الجمهورية. إلاّ أن هذا، في حدّ ذاته، ليس جديداً هو أيضاً. فمعارك رئاسة الجمهورية في لبنان، تُحسم في الأيام الأخيرة، لكن العمل من أجلها يبدأ منذ لحظة إعلان رئيس مجلس النواب اسم الرئيس المنتخب.
وهذا ليس وقفاً على لبنان وحده، إنما هو إحدى سمات الديموقراطيات في العالم قاطبة.
الجديد هو فقط في الحدّة التي ترافق الصراع بين الأطراف التي ترشح ذاتها أو يرشحها آخرون للرئاسة.
والمفارقة الثانية هو إننا، في لبنان، «أخذنا راحتنا» كثيراً، فتعايشنا مع الفراغ الرئاسي الذي امتد طويلاً في مرحلة ما قبل انتخاب العماد ميشال سليمان، وما قبل انتخاب العماد ميشال عون.
وأخشى ما نخشاه أن يصبح الفراغ الرئاسي تقليداً وعرفاً وسلوكاً مألوفاً أمام كل استحقاق رئاسي.
وتلك حالة لم نعرفها على الأقل في ما عايشناه سابقاً من انتخابات رئاسية. علماً أن البلاد كانت في أوضاع سياسية واقتصادية عادية… أي أن الفراغ كان يمكن أن يكون قليل المخاطر… ومع ذلك لم يكن من فراغ. أما في الاستحقاقين الرئاسيين الأخيرين فقد طال الفراغ بالرغم من أنّ الأوضاع كانت دقيقة، بل صعبة جداً، على مختلف الصعدان. ومع ذلك سمح القيمون على «اللعبة» لأنفسهم أن يتمادوا في الفراغ الى حدّ الوصول بالبلاد الى ما يشبه الانهيار.
ولا يُعتد بالقول: إن المسألة تعود الى شراسة المداخلات الخارجية، الإقليمية والدولية.
فمتى لم يكن للخارج، ببعديه الإقليمي والبعيد، دور في المناورات والمداخلات التي تسبق إجراء الانتخابات؟ ومع ذلك كان الاستحقاق يُجرى ضمن المهلة الدستورية، ولم نتعرّف الى أي فراغ قاتل. ما يعني أن الأفرقاء الذين كانوا يلتزمون بالخارج و«توجيهاته» كان لديهم حدٌّ أدنى من المسؤولية في عدم ضرب الدستور… والبلاد!
وهذه المرّة تبدو «المعركة» الانتخابية الرئاسية حامية الوطيس منذ اليوم، بالرغم من أنّ أربع سنوات أو أقل بقليل لا تزال تفصلنا عن الاستحقاق.
صحيح أن أحداً لا يمكنه الرهان، منذ اليوم على مآل الأحداث والتطورات في شرقنا المضطرب، وفي منطقتنا التي تبدو على فوهة براكين لا تخمد لها نيران وحمم.
وهذا، على أهميته لا يحول دون أن يستعد فرسان المنافسة للمرمح الذي سيُجرى فيه السباق.
والفرسان الثلاثة الظاهرون في الصورة هم اليوم الوزير جبران باسيل والوزير السابق سليمان فرنجية والدكتور سمير جعجع.
ورؤساء الأحزاب «المسيحية» الثلاثة هؤلاء مرشحون لأن يبقوا في المرمح وربما لأن يقتصر عليهم السباق إذا لم يحدث تعديل في المنطقة إن في الأنظمة أو في النفوذ أو في … الحروب التي يبدو أنها تتناسل في منطقتنا وليست الى هدنات جدية.
ولكن دخول «درتانيان» ما (فارساً رابعاً) في المعمعة ليس مستبعداً، وربما يكون صاحب خبرة وتجربة سابقتين!
و«الليالي حُبلى ليس يُدرى ما تلدُ».