بدأت المعركة النيابية في جبيل على نار حامية، موقدة منذ الانتخابات البلدية في 2010، ومع الاقتراب من يوم إعلان النتيجة تزداد حماوةُ النار التي تُستخدَم في إشعالها أوراقٌ من جيوب الحلفاء والخصوم والأخوة وحتى البيت الواحِد. هذه الحماوةُ مُستغرَبةٌ في منطقة لا أبعادَ رئاسية أو عائلية وراثية فيها.
فعلى يمين جبيل «لا ينام» الوزير جبران باسيل «ليكمش» ما استطاع من أصوات ويلوّح بها مُثبتاً حقه بترؤس «التيار الوطني الحر» وما بعده، وعلى شمالها وفي الدائرة الانتخابية الواحدة، صهرٌ ثانٍ لرئيس الجمهورية مؤسس «التيار» العماد ميشال عون، يركض ليثبت حيثيّته في عرين الموارنة حيث تمّت مبايعةُ عون مرتين. وعلى رغم من أهمية معركة كلّ من «العديلين»، امواج بحرَي كسروان والبترون هادئة نسبياً، فيما شاطئ جبيل يغلي بموجِ تيارٍ قد يكسر أحاديّة «التيار».
على ثلاثة مقاعد في جبيل، إثنان مارونيان والثالث شيعي، يتنافس 15 مرشحاً في 5 لوائح على الصوت التفضيلي. وفي حين يحقّ لكسروان 5 مقاعد مارونية أُعطيت جبيل مقعدَين فقط، ما يجعل المنافسة حادة «لأن ما في كراسي تساع كل الناس».
المنافسون الرئيسيون على هذَين المقعدين، هم النائبان سيمون أبي رميا ووليد خوري على لائحة «التيار الوطني الحر»، رئيس بلدية جبيل السابق زياد الحواط على لائحة «القوات اللبنانية»، والنائب السابق فارس سعيد على لائحة ائتلافية بين قوى جبيلية وكسروانية.
وعلى رغم من تعذّر توقّع نتيجة حاسمة للانتخابات، حيث المفاجآت واردة وقد لا تصحّ الحسابات الحزبية أو الإحصائية، إلّا أنّ غالبية الأرقام غير الرسمية تُظهر، أنّ «التيار الوطني الحر» في ظلّ القانون النسبي المُعتمَد سيخسر مقعداً مارونياً في جبيل ولن يستطيع إيصال ابي رميا وخوري معاً الى المجلس النيابي، ويُتوقّع أن ينسلّ مقعد من بين يديه ليكون من نصيب سعيد أو الحواط، اللذين يتقاسمان الطبق السياسي والشعبي نفسه.
فالأول حليف «القوات» السابق الى وقتٍ غير بعيد، والثاني حليف «القوات» الجديد منذ فترة غير بعيدة أيضاً. والاثنان يتوجّهان بخطابٍ واحد ضد «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» على حدٍّ سواء.
إلّا أنّ «التيار»، لا يواجههما بتكافؤ. فيبدو أنّ المعركة بكاملها لم تعد مسألة فوز وخسارة، بمقدار ما أضحت معركة «كَسر» رئيس بلدية جبيل السابق زياد الحواط. ففي الشوارع والمقاهي، وفي سوق جبيل، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وفي المنازل و»التاكسي»… تُقام حملةٌ عونية متواصلة بوتيرة مرتفعة ضد الحواط من دون بقية المرشحين المنافسين.
مَن يراقب سَير المعركة الانتخابية التي ستُتوّج وتنتهي فصولُها في السادس من أيار المُقبل، سيتفاجأ من حدّة المنافسة بين «التيار» والحواط في جبيل – كسروان، التي تُرجمت باحتكاك وتضارب بين المناصرين في عدد من القرى الجبيلية.
فبوسائل وأساليب عدة يجهَد «التيار» ومناصروه لمنع فوز الحواط، وكأنّ معركة التيار الوجودية محصورة بكَسر الحواط فقط، على رغم من أنّ المرشحين الآخرين في هذه الدائرة لا يشن التيار ومناصريه عليهم اي هجوم مشروع أو غير مشروع من كالهجوم الذي يتعرض له الحواط. وقد وصلت حدّة التخاطب والمواجهة الى وصف النائب سيمون ابي رميا الحواط بـ»حيوان الحرباية».
لماذا الحواط؟
بدأ امتعاضُ «التيار» من الحواط منذ الانتخابات البلدية عام 2010، حيث لم يتم التوافقُ بين الطرفين، وهُزم التيار الذي حقّقت لائحتُه «تسونامي» في الانتخابات النيابية في 2005 و2009 بلائحة ترأسها في هاتين الدورتين رئيسه العماد ميشال عون، في مواجهة الحواط المستقل الذي لم يمارس السلطة في لبنان قبلاً، كما لم يتمكّن التيار من تشكيل لائحة تواجهه في الانتخابات البلدية في 2016.
وتشرح أوساط متابعة لهذه المعركة الانتخابية أنّ «الحواط أثبت حضوراً كبيراً في فترة قصيرة وأثبت قدرة فائقة، وبيّن أنّ هناك رأيَ عام جبيليّاً يؤيد طروحاته وأفكاره، فشعر الطرف الآخر أنّ إمكانيات الخرق حتمية، وبالتالي أمام حتمية من هذا النوع، ونتيجة شعور الرأي العام في هذه المنطقة بالتقصير على مدى أعوام سابقة، في مقابل بروز شخص قدّم نموذجاً ناجحاً في بلدية معيّنة، وإمكانية توسيعها وتعميمها على مستوى كل الدائرة، جعل الطرف الآخر يخوض الانتخابات بشراسة ضده».
خسارةُ الصوت الشيعي الذي حسم المعركة الانتخابية في 2005 و2009 لمصلحة «التيار» يُساهم بدوره في خلخلة «العرش العوني»، فيبلغ عدد الناخبين في دائرة كسروان – جبيل 175 ألف ناخب، ووصلت نسبة الاقتراع في انتخابات 2009 إلى أقصى حدّ وفق المراقبين، إذ بلغت 67.2%. ومن المتوقع في 6 أيّار 2018 المقبل أن ينتخب نحو 120 ألف ناخب، وبالتالي سيكون الحاصل الانتخابي نحو 15 ألفاً.
وفي قضاء جبيل وحده يبلغ عدد الناخبين نحو 82 ألف ناخب، يتوزعون على نحو 62 ألف مسيحي، 17 ألف شيعي وألفا سنّي.
وصوّت في 2009 أكثر من 90 في المئة من الشيعة للائحة «التيار الوطني الحر» و8 آذار، ومن المُتوقّع أن تصبّ غالبية هذه الأصوات في هذه الدورة الانتخابية للائحة «حزب الله» ومرشّحه حسين زعيتر.
بين بروز حالة الحواط الممتدة الى خارج مدينة جبيل وقد تكسر احتكارَ السيطرة العونية في هذه المنطقة، التي لم يتلاءم هواها تاريخياً مع «القوات اللبنانية» وكانت موطن «الكتلة الوطنية» قبل أن تنطفئ شعلتُها الوطنية، وبين خسارة أصوات الشيعة، إضافةً إلى أرجحيّة خسارة أحد المقعدَين، تضيق المساحات على «التيار» ما يُشعل نار المواجهة أيضاً بين ابي رميا وخوري، اللذين لا ينامان بدورَيهما، ويسعى كلّ منهما لـ»تقشيط» الثاني الأصوات التفضيلية، فحين تنحسِر الكراسي، تُصبح أولويّة الوصول للـ»أنا».
هذه المنافسة المُحتدمة تتجلّى بأساليبٍ عدة، بين النائبين الزميلين، ويقول كلّ منهما كلاماً غير شرعيٍّ عن الآخر ضمن البيت الواحد، وفي حين يعوّل خوري على حيثيّته العائلية وعلى «استشراس» العماشتة (نسبة الى عمشيت) للاحتفاظ بالنيابة وعدم خسارة المقعد للمرة الأولى أمام ابن جبيل أيّاً كان، يلوّح ابي رميا ببطاقته الحزبية لاجتذاب العونيين والحزبيين.
فبعد أن كان يتوجّه ابي رميا عبر اللوحات الإعلانية المنتشرة الى الناخب بحضّه على التصويت لـ»الإنماء والشباب…»، عُلّقت في الفترة الأخيرة لوحات تحمل صور أبي رميا مُعنونة بـ»صوتك عوني». ويرى المتابعون انه وإذ يبدو أنّ منافس أبي رميا الفعلي هو زميله خوري، بدأت تحتدّ المنافسة بينهما، فتحوّل خطاب ابي رميا نحو العونيين ليعطوا صوتهم التفضيلي لـ»العوني» الحزبي مثلهم، ملوحاً ببطاقته الحزبية.
قد يخسر «التيار الوطني الحر» مقعداً نيابياً أو اثنين أو ثلاثة في جبيل، أو قد لا يخسر أيّاً منها، بل يخسر مقاعد أكثر في كسروان، وفي كل الحالات خسارة المقاعد في هذه الدائرة حتمية، ولن يتربّع «التيار» وحده على عرش جبيل – كسروان النيابي، وستُكَسر «الأحادية» العونية منذ 2005 في هذه الدائرة في 6 أيار 2018.