لم تُفاجَأ الديبلوماسية السورية بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي كشف فيه «أنّ الجولة الثالثة من المفاوضات الدولية حول التسوية السورية قد تُعقد في نيويورك بدلاً من فيينا».
لقد سَبق بان كي مون إلى هذا الإعلان، إشارة المندوبة الاميركية الدائمة لدى الامم المتحدة سامنتا باورز الى إمكانية نقل النقاش الى أروقة الامم المتحدة بدلاً من فيينا.
وتُرجّح مصادر ديبلوماسية سوريّة لـ«الجمهورية» أن تُعقد هذه المفاوضات قبَيل عطلة الأعياد، نظراً إلى الرغبة الاميركية بالإفادة من رئاسة مجلس الامن لهذا الشهر.
ويتقاطع هذا الترجيح السوري مع نظرة مصادر على صلة بالديبلوماسية الروسية ترى في نقل مفاوضات فيينا الى نيويورك، محاولة أميركية لاغتنام رئاستها لمجلس الأمن، في محاولة لتحقيق إنجاز سياسي من بوابة مجلس الأمن يُعيدها الى واجهة المشهد السوري بعدما انتزعت روسيا الأفضلية المطلقة في الأزمة السورية، وأثبتت أنّها الدولة الوحيدة الجدّية في مكافحة الإرهاب ومحاربة «داعش» على الاراضي السورية، وتصدّرَت بذلك الواجهة العسكرية في سوريا إلى جانب الديبلوماسية الفعّالة والحاضرة في أدقّ التفاصيل.
ويكشف مصدر ديبلوماسي روسي أنّ موسكو تعمل على طرح مشروع قرار حازم جداً ولا يقبَل التأويل في شأن تحريم التعامل «التجاري» مع «داعش» سواء بالتجارة النفطية أو الغذائية من مزروعات وما شابَه، وخصوصاً القمح.
قرار تسعى من خلاله موسكو إلى إيجاد آلية إلزامية لتنفيذ أحكام القرار الدولي 2199 بما يُشبه التسليح بأسنان حادّة للقرار الذي سعى إليه المندوب الروسي فيتالي تشوركين في مجلس الأمن في وقت سابق، إلّا أنّ تجفيف تمويل «داعش» لم يحصل على رغم نيل القرار الإجماع من أعضاء مجلس الأمن.
وعن الأسباب الموجبة لتزخيم التفاوض في نيويورك بدلاً من «فيينا 3»، يرى مصدر ديبلوماسي سوري أنّ ذلك سببُه فشل كل من الاردن والسعودية في تنفيذ ما تمّ الاتّفاق عليه في اجتماع «فيينا 2» الموسّع حول سوريا، الذي عُقد في 14 تشرين الثاني الماضي وتضمَّن الاتّفاق على ضرورة تحديد لائحة الجماعات الإرهابية العاملة في سوريا، التي لا ينطبق عليها وقف إطلاق النار، وإعداد لائحة بمنظمات المعارضة المعتدلة، التي سيُشارك ممثّلون عنها في مفاوضات التوصّل إلى تسوية سياسية مع الحكومة السورية.
وعليه، يبدو أنّ من الأسباب الرئيسة لنقل النقاش من فيينا الى نيويورك، حسب وجهة النظر السوريّة، إضافةً الى عودة الولايات المتحدة الاميركية التي ترأس مجلس الأمن للشهر الحالي الى واجهة الأزمة السوريّة بعد الهيمنة الروسية على المشهد، التمويه عن فشل حكومة الأردن في تنفيذ ما تمّ التعهّد به في«فيينا 2» من تصنيف الفصائل الإرهابية والمعتدلة، إضافةً الى فشل السعودية في توحيد الفصائل المعارضة السورية في إطار واحد صالح للتفاوض مع الحكومة السورية حول الحلّ السياسي للأزمة.
ويبدو أنّ طاولة الحوار السوري – السوري غير جاهزة ولا يزال النقاش فيها حكراً على اعضاء المجموعة الدولية ومتنقّلاً بين عاصمة وأخرى.
وبعد فيينا جاء دور نيويورك التي لن تكون المحطة النهائية في رحلة الترحال بين عواصم القرار، وبالتالي عدم تنفيذ ما اتّفق عليه في «فيينا 2» من إعداد لائحة الفصائل الإرهابية إلى توحيد وفد المعارضة، يجعل الحديث عن حكومة موسّعة تضمّ الأطراف السوريّة خلال 6 أشهر وانتخابات خلال 18 شهراً مجرّد مواعيد مكتوبة بحبر على ورق المفاوضات التي ستتمدّد قبل أن يقول الميدان الكلمة الفصل… ومن بعدها يبدأ العدّ العسكي الجدّي للعملية السياسية.