IMLebanon

زمن الاستغباء

لم يعد التسامح مع الاستغباء مقبولا في الحياة السياسية اللبنانية. فهذه لم تقارب، يوما، السفاهة والتدجيل، وسلاطة اللسان، كما حالها اليوم: يدعم مرشح لرئاسة الجمهورية إبقاء سلاح خارج سلطة الدولة، تحمله قوى محلية تتصرف كقوة احتلال اقليمي، خلافاً لارادة اكثرية اللبنانيين، ومع ذلك يؤكد أنه ابن الدولة وأنه مرشح وفاقي.

يصر المرشح على انه يجب ان ينتخب رئيسا، لكنه لا يحضر جلسات مجلس النواب للانتخاب، ويتهم الآخرين بأنهم يمنعون الديموقراطية، على رغم ان شعاره أنا الرئيس والا 60 سنة على الجمهورية.

تحول كتلة نواب حزب الأمين العام دون النصاب أيضاً، ويساهم شخصيا في تعمية الحقيقة بالقول باستعداده للاتفاق مع “تيار المستقبل” على مرشح وفاقي، لكنه يردف ان المرشح الوفاقي ليس أي شخص آخر سوى مرشحه.

يصارح المرشح الرأي العام بأنه يريد صهره قائداً للجيش، على أن يعيّن فوراً وقبل انتهاء فترة قيادة العماد جان قهوجي، وفي غياب رئيس جديد للجمهورية، خلافاً لتقليد يعطي هذا الرئيس ان يختار القائد. واذ يفشل في مسعاه يكتشف ان “المسيحيين لا يأخذون حقوقهم في الدولة”، ناسياً انه ألغى رئاسة الجمهورية، ويريد ان يسلبها صلاحية تسمية قائد الجيش.

يطلب الإجماع في مجلس الوزراء، وحين لا يجده حول مطالبه المستحيلة، يرفع “شعار حقوق المسيحيين”، فيما هو يشرشح الجمهورية ورئيسها، ومعها الجيش وقائده الماروني اذ يدخلهما في بازار العائلة والمصالح. واستطرادا يريد لصهره الضابط قيادة الجيش، لكنه عمليا يبعده عنها لحزبية يسبغها عليه ليس منها وليست منه، كأنه يريد له ألا يصل الى هذا الموقع.

قمة الاستغباء ان يطرح الحزب الحليف نفسه وسيطا بين المرشح الرئاسي الغاضب باستمرار ميشال عون، و”تيار المستقبل”: فمشكلة عون ليست مع هذا التيار وحده، بل مع أغلب المكونات النيابية والسياسية، من جهة، والحزب الحليف ليس الوسيط المناسب، اذ هو جزء من الأزمة، ومغذيها، من جهة اخرى.

ديماغوجية المرشح تتماشى مع نهج حليفه الأمين العام الذي يرفع الدعوة الى الحفاظ على “العيش المشترك” ويزايد على الجميع بشعار “العيش الواحد”، صارخا “لا للإقصاء، ولا للالغاء، ولا للاستئثار”، مؤكدا أن الطريق الوحيد للحفاظ على البلد هو “الشراكة الحقيقية بالحوار والتلاقي وعدم ادارة الظهر”.

الأمين العام محق: فهو لم يقصِ أحدا عن قراره بحرب تموز 2006، ولم يلغ الدولة في 7 أيار 2008، ولم يدر الظهر للمؤسسات حين دخل بميليشياته الاراضي السورية، ولم يستأثر بقرار السلم والحرب يوما.

قمة مأساة المتذاكي ان يعجز عن إقناع نفسه بتناقضاته، إلا من كان عليلا بالنسيان.

على كل حال، فان دخانا أبيض لاح من الفاتيكان، يقول ان ملف الرئاسة على أهبة أن يقفل بتوافق.