تتكثف المشاورات الدولية سعياً لإرساء حلول معيّنة في سوريا بعدما أدمتها الأجندات المتضاربة ولعبة الدماء المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.
الانسحاب الروسي طبعاً ليس وليد ساعته أو نتاج قرار فوري بل هو محطة ضمن المسار العام حتى تنضج كلّ السيناريوهات وتتبلور كلّ التسويات أو بعضها. إنها لعبة المصالح الدولية التي ترسم معالم جديدة لا بدّ وأن تتكشف على أرض الواقع بمظاهره ونتائجه. السؤال هنا يبقى عن إدارة مصالحنا القومية والوطنية في هذا المخاض.
والتحوّلات المتوقعة أو المنتظر تبلورها قد لا تكون إلّا نتاجاً جديداً لسايكس- بيكو على طريقة كيري – لافروف. وبين ما حصل بعد الحرب الكونية الأولى ومع مؤتمر يالطا بعد الحرب العالمية الثانية أحداث قد لا تعدو كونها تاريخاً يعيد ذاته بمحطاته ومسبباته ونتائجه.
الانسحاب الروسي، بغضّ النظر عن صحّة تحقّقه على الأرض، وبغضّ النظر أيضاً عن جرعة العقلنة التي أدخلها التدخل الذي سبق الانسحاب في إدارة الصراع، يهدف ايضاً الى بلورة استحقاقات ترسم معالم جديدة للواقع في سوريا وفي المنطقة.
ويذهب المحلّلون للقول إننا أمام سايكس- بيكو جديد بصبغة كيرية- لافروفية، وذلك بعد مئة عام تحديداً بعد سايكس بيكو الأول وكأنما العالم يتغيّر وأهل المنطقة لا يتغيّرون.
والمؤشرات الكبرى من التحركات الروسية -الاميركية، من توافق في الكثير من التوجهات، والتجاذب في البعض من النقاط، انما تدلّ أنّ القرار السياسي قد خرج من المنطقة، كما خرجت معه أمال وتطلعات الشعوب فيها الى استقلالية إنتاج القرار.
ورغم الوضع المهتزّ، استطاع الجيش اللبناني أن يحمي الوطن من لهيب يدور حولنا. إلّا أنّ إحباط كلّ آليات انتاج الشرعية في هذا البلد ما هو إلّا دليل على واقع تتخبط فيه المنطقة بمكوّناتها كافة. وبدل أن يفتح لبنان ذراعيه لاحتضان بذور العودة الى الصواب القائل إنّ خلاص الشعوب لا يكون إلّا بوعيها وأخذها ببديهيات لا مفرّ منها، وأولى هذه البديهيات هو تغليب المصلحة القومية والوطنية على أيّ اعتبار.
وذهب القيّمون في هذا البلد المميّز الى اغراق انفسهم وإغراق البلاد بمتاهات وجدالات اسموها تارة الحفظ على الميثاقية وطوراً صحة التمثيل. وذلك بانتظار رئيسٍ موعود وإنتاج مجلس شرعي عتيد. ونحن في لبنان بانتظار ولادة العهد الجديد.
* رئيس التجمع الدستوري الديموقراطي