أكثر من دلالة سياسية بارزة تحيط بالتوقيت الذي اختاره الكرسي الرسولي لكي يزور البابا فرنسيس لبنان في حزيران المقبل وذلك بعد أيام معدودة على الاستحقاق الإنتخابي النيابي في منتصف أيار. فهذا التوقيت تضعه مصادر سياسية على تماس مع دوائر الفاتيكان، في سياق المواكبة التي يحرص عليها الكرسي الرسولي للواقع اللبناني، وللرسالة الواضحة التي قد حرص البابا فرنسيس، على توجيهها من خلال تحديد هذا الموعد، باتجاه المجتمع الدولي كما إلى القوى الإقليمية، ومفادها أن الساحة اللبنانية لن تكون في أي لحظة ساحة للمساومات أو لتصفية الحسابات بين عواصم القرار خصوصاً بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
وبمعزلٍ عن استحقاق الإنتخابات النيابية التي تسبق زيارة الحبر الأعظم بنحو شهر، فإن هذه المصادر، تضع فاصلاً ما بين الإستحقاق والمسار الذي ستسلكه الإنتخابات لجهة النتائج، وما بين الهدف الفعلي للبابا فرنسيس، مؤكدةً أن نظرة الفاتيكان للبنان هي أوسع من المشهد السياسي أو الإنتخابي الحالي، إذ ان هذه النظرة هي شمولية وتركز على معادلة التعايش والحوار بالدرجة الأولى وليس على الإنقسامات أو الخلافات أو الصراعات على وقع الإصطفافات الإقليمية والدولية.
وتكشف المصادر نفسها، أن البابا فرنسيس لن يزور لبنان من دون أن تكون في جعبته «هدية» سيقدمها إلى اللبنانيين، وذلك على غرار الهدية المتمثلة بالسينودس من أجل لبنان، الذي قدمه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للبنانيين، عندما زار لبنان في التسعينات وبعدما وضعت الحرب أوزارها. وعليه تلفت المصادر السياسية نفسها، إلى أن الفاتيكان يتعاطى مع لبنان انطلاقاً من مجموعة ثوابت وطنية ولا يدخل في النقاش السياسي التفصيلي الذي يتصل بالحسابات المحلية، ولذا فإن هذه الثوابت تتناول التأكيد والإحترام الكامل للدستور والمؤسسات الرسمية وللمواطنة والحوار والحريات والمساواة بين اللبنانيين وصولاً إلى حماية لبنان من أي صراعات خارجية بصرف النظر عن طبيعتها، وكذلك تحييد الساحة اللبنانية عن أي مساومات أو تسويات تجري على المسرح الدولي، مع الإشارة إلى أن الدولة اللبنانية هي عضو مؤسس في الأمم المتحدة كما في جامعة الدول العربية.
ومن ضمن هذا السياق، تلفت المصادر إلى أن التصوّر الحالي لدى دوائر الفاتيكان، يؤشر إلى أن لبنان قد بدأ مسار الخروج من الأزمة وهو يحظى برعاية دولية واهتمام وحرصٍ على عدم تركه يواجه خطر الإنهيار المالي الذي سيدفع نحو مصير مجهول لكل اللبنانيين من دون استثناء. ووفقاً لهذا التصور، يتنامى الإعتقاد بأن المرحلة المقبلة والتي ستنطلق بعد الإنتخابات النيابية، ستحمل مؤشرات على التغيير وبالتالي على الخروج من الأزمة، في ظلّ وجود تقاطعات عربية وأوروبية على تحقيق الانفراجات والتي قد تكون أولى مؤشراتها الإتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي.