Site icon IMLebanon

حكومة «إلى العمل» الآن تبدأ انطلاقتها

 

بعد أن أُشبعنا بعمليات شغب واستخفاف وتطاول على البلاد والعباد وعلى المصالح الوطنية العامة، وبعد مرور ما يناهز الشهر والنصف من الشحن الطائفي المنظم والمستند إلى أقصى درجات التحريض الداخلي والخارجي واللعب على مدارج الثوابت الوطنية وهز الأعمدة عميقة الجذور التي يستند إليها الوجود الميثاقي لهذا الوطن وبعد أن أُتحفنا بشتى أنواع الخطابات والتصاريح الشادّة للأعصاب التي لم تكن أساسا بحاجة إلى شدّ من فرط ما وُجه إليها من جهود تعبوية سابقة، لم يخل مهرجان من «خيراتها وأفضالها» النابشة لأسوأ ذكريات الأحداث والحروب التي مرت بها هذه البلاد، وصولا في ذلك إلى أحداث 1860، سعيا إلى إحياء لهبها ولهب أمثالها من أحداث الماضي القريب والبعيد، متجاوزة في ذلك كل الجهود الوطنية المشكورة التي بذلها المخلصون في هذا الوطن حتى مسحوا كل ملامح الأسى والخطر الداهم التي غالبا ما رافقتها وغالبا ما حاول أهل الخراب والدمار إعادتها إلى الوجود، وبعد أن وصل الوطن إلى حافة الكارثة الكبرى التي تجاوزت حدود التوقع، وطاولت ملامس التحقّق، وبعد أن امتلأت أجواء البلاد برنين الأجراس المحذرة والتي وصلت إلى الكبار والصغار في أجواء الداخل الشعبي والمالي والإقتصادي فضلا عن الأمني، وسابقتها إلى التحذير الشديد صيحات وتصريحات الخارج وفي طليعتها ذلك التحذير الذي أطلقه في الأجواء اللبنانية بيان السفارة الأميركية، حيث تبين أن الولايات المتحدة مع كل تدابيرها المعادية لحزب الله ودوره المنتمي إلى إيران ورغم كل الإجراءات التي اتخذتها ضد هذا الحزب وأركانه ومسؤوليه، ما زالت تحتفظ بشيء من الروابط الإيجابية لهذا البلد الصغير الذي شاءت ظروفه القاسية أن يكون واقعا على طريق الأفيال والطامح والمطامع متعددة المصادر والأهداف، وقد كان للبيان الأميركي بعض الأثر في تحقيق تلك الصحوة اللبنانية المفاجئة التي قادها إلى ساحة التحقق، رئيس مجلس النواب نبيه بري، مستعينا بموجات الهلع التي عبأت رؤوس اللبنانيين بجملة من التخوفات على وجودهم ومصير بلادهم، بعد أن جرّهم بعض زعمائهم إلى حافة الهاوية، وبعد أن وجد هؤلاء الزعماء أن الأخطار أصبحت بالفعل، على وشك الإنفجار والتحقق، وأن لغة العنتريات التي أطلق البعض من خلالها شارة انطلاق السباق والهرولة السريعة نحو الإنتحار الجماعي.

 

فجأة ودون سابق إنذار تحققت المعجزة، لبّى الجميع الدعوة التصارحية التصالحية التي تمّت في بعبدا، وعاد عقل الرحمن (ربما مؤقتا) إلى جميع الرؤوس الحامية والنفوس الهائجة، وعقد ذلك الإجتماع الذي ضم الفريقين الدرزيين اللذين طاولتهما مأساة الإشتباكات المفتعلة، وتدارك المجتمعون من خلال هذا الجمع، تسربا للأحداث الخطيرة التي طرأت الدرزي – الدرزي، إلى الإطار الدرزي – المسيحي، الذي لو تطورت به الأحداث لكان قد تضخم إلى إطار لبناني شامل أودى باللبنانيين جميعا إلى المهاوي الخطيرة التي كنا نسير إليها جميعا بغباء شديد العصبية وبالغ الأخطار والأضرار.

 

وماذا بعد:

 

بعد المصارحة – المصالحة، يتوق اللبنانيون إلى سلام حقيقي دائم ومستمر، تتخلص فيه الرؤوس والنفوس من حماوتها الزائدة، وتتواضع فيه إلى الحدود التي تنقذ وضعنا المالي والإقتصادي من انهيارات بالغة شديدة التوقع وشديدة التخوف من آثارها التي كنا نسير باتجاهها بخطى حثيثة. كما نتمنى توحداً لبنانياً حول دولة متماسكة لا تصدر عن بعض أفرادها وجماعاتها أصوات نشاز تحيدنا عن نهج الأجداد المؤسسين لهذا الوطن، وكفانا نبشاً للقبور وللذكريات المقيتة التي تعيد إلينا صورا من حروب مؤسفة الوقع والصدى، عشناها مكرهين، وكان بإمكاننا لو حسنت النويا وصفت التطلعات، أن نتجاوزها كما فعلنا في فترات زمنية مشرفة، شهد فيها لبنان مراحل خير وعطاء، وعاش فيها اللبنانيون حياة كريمة تتناسب مع مستواهم الثقافي والحضاري الذي ما لبثوا يفاخرون به حيثما حلّوا وأثبتوا أصالتهم وتفوقهم في أغلب ميادين الحياة والعلم والحضارة المتقدمة.

 

فلنساهم جميعا في جهود الإصلاح المالي والإقتصادي، ولنستعد ثقة الدول والمؤسسات المالية والإقتصادية، فعيون الخارج تلاحقنا، وأن إطلاق سيدر في مراحله العملية، يتطلب شفافية ونجاحا وإخلاصا في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وتصحيح مسيرة ومسالك الإنقاذ والخلاص، وذلك يتطلب دون شك معجزة أخرى تضاف وتتفوق على معجزة تحقيق المصارحة والمصالحة. حكومة «إلى العمل» الآن حان موعد تحقيق شعارها في إطاراته العملية والعملانية.