كنّا، فعلاً في حاجة ماسّة الى القمة الروحية التي عُقدت أمس في دار الطائفة الدرزية. كاد شعبنا يكفر بكل شيء قدر ما تتساقط عليه، يومياً، لعنة أهل السياسة المعنيين بتحقيق مصالحهم وغاياتهم ومطامعهم (…) حتى بات الظن أنّ تلك اللعنة تطاول الجميع إذ غابت عنهم تقاليد وأعراف ومواثيق وعهود، وقوانين وأنظمة، وبات كل منهم يتقيد بما يرى فيه فائدة له وحسب.
… الى أن عُقدت القمة الروحية، أمس، التي نعتبرها واحة ظليلة في هذه الصحراء القاحلة الجدباء حيث يختلط الحابل الهجين بالنابل اللعين.
من زمان لم نسمع كلاماً عن الصيغة اللبنانية الإنسانية الراقية، وعن الثوابت الوطنية الحقيقية التي بقي لبنان متمسكاً بها أميناً لرسالته….
من زمان افتقدنا بيانات ومواقف وتوصيات لا تستهدف اللعب على المشاعر وتحريك الغرائز… فجاء بيان القمة الروحية ليعيد تصويب المنظار الى حيث يجب أن يكون موجهاً… فلم يفت المرجعيات الروحية أن التقاطعات الضاغطة على الساحة اللبنانية وتداعياتها، وأشدها خطراً «تهديدات العدو الصهيوني» ترهق الاقتصاد وتستهدف الأمن… وأن هذا الوطن الذي نسميه «الصغير المعذّب» يواجه «بتفانٍ» التحديات نتيجة الموقف الوطني الجامع برفض التوطين شكلاً ومضموناً… وأن تلك التحديات تقتضي المزيد من الوعي والتضامن.
واللافت أن المرجعيات الروحية التي ركزت على التعددية اللبنانية اعتبرت أن اتفاق الطائف «أرسى ثوابتها بتعديلاته الدستورية» وبالتالي هي تشكل الأساس والضامن لبناء لبنان الغد».
أضف الى ذلك أنّ الكلمات الأربع التي افتتحت بها القمة (كما وردت تباعاً من شيخ العقل والبطريرك الماروني ومفتي الجمهورية وممثل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى) التقت على الثوابت ذاتها التي سجلها البيان الختامي. ما يطرح سؤالاً كبيراً:
كيف يمكن لهذه المرجعيات التي تمثل الأطياف اللبنانية كلها أن تلتقي على مختلف العناوين والنقط والمسائل والقضايا الحساسة في وقت يعجز الممثلون السياسيون والقياديون بالأطياف ذاتها أن يلتقوا على معظمها إذ تنشب بينهم خلافات يُعرف كيف تبتدئ ولا يُعرف كيف تنتهي؟!
لماذا هذا الفارق في الخطابين: الخطاب السياسي (على ما فيه من تناقض وتصادم بين فريق سياسي وفريق آخر) والخطاب الذي تطلع به المقامات الروحية وفيه من السمو والتهذيب واللغة الوطنية السليمة ما يعتبر نموذجاً يُحتذى؟
الجواب بسيط: أهل السياسة (عموماً) يغلّبون مصالحهم وأنانياتهم على المصلحة الوطنية التي تقدمها المرجعيات والمقامات الروحية على ما عداها.
وانطلاقاً مما صدر أمس، عن القمة الروحية في دار طائفة الموحدين الدروز نقترح (بتواضع) على أركان القمة أن يعمّموا بيانهم على أتباعهم من رجال الدين الذين يلجأ البعض منهم الى استغلال منابر المعابد ليبثوا سموماً وينشروا أحقاداً ذات تأثير أشد سلبية وخطورة ممّا تؤدي إليه مواقف أهل السياسة.