كان من المفترض أن تشكل القمة العربية التنموية والاقتصادية في دورتها الرابعة، التي انعقدت في بيروت الأسبوع الماضي، فرصة ذهبية للبنان، تمكنه من استعادة ثقة الدول العربية به على المستويين السياسي والاقتصادي. لكن وللأسف الشديد، فقد شرعت القوى السياسية في زيادة منسوب الاشتباك السياسي القائم بينها منذ تسعة أشهر حول تشكيل الحكومة وتقاسم الوزارات والحقائب، وأضافت اليه بعداً عربياً من خلال المطالبة بقوة بدعوة سوريا الى القمة، ومن خلال التهديد بمنع وصول أي وفد ليبي للمشاركة في اعمال القمة.
كان من المتوقع أن تتضافر جهود الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي من أجل انهاء عقدة تشكيل الحكومة من خلال التخلي عن وزير من الحصة التي يطالبون بها، من أجل حل عقدة تمثيل سنة 8 آذار، والتي رماها حزب الله في طريق تشكيل الحكومة. لكن يبدو بأن فريق تكتل لبنان القوى قد آثر الحصول على «الثلث المعطل» في الحكومة على انطلاق مسيرة العهد داخلياً، والاستثمار خارجياً في «مؤتمر سيدر» وفي القمة التنموية والاقتصادية والتي ترأسها الرئيس عون.
لم يدرك الرئيس عون وفريقه السياسي أهمية تشكيل حكومة متضامنة قبل دعوة ملوك ورؤساء الدول العربية للمشاركة في قمة بيروت، وبالتالي اظهار بأن لبنان قد استعاد عافيته السياسية وبأنه بات جاهزاً لممارسة دوره العربي، مع ما يفرضه ذلك من التزام بالتضامن العربي وبالمصالح العربية العليا.
كان من الطبيعي أن ينعكس الفشل المستمر منذ تسعة أشهر في تشكيل الحكومة، بالإضافة الى القضيتين الخلافيتين المتمثلتين بدعوة سوريا الى القمة وبرفض مشاركة ليبيا فيها سلباً على الدعوات التي وجهها الرئيس عون للملوك والرؤساء العرب للمشاركة في أعمال القمة، وبالتالي ان ينخفض مستوى التمثيل الى رؤساء حكومات ووزراء، وبما يؤشر الى وجود «مقاطعة» عربية للقمة، أو بالأحرى فرض حصار عربي على لبنان، تعبيراً عن فقدان الثقة بالسلطة الراهنة.
في ظل هذا الحصار السياسي العربي استمر وزير الخارجة في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل في مزايدته ومكابرته على الدول العربية في موضوع دعوة سوريا، حيث عاد ليثير هذا الموضوع في خطابه في اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل القمة، وذلك بعد أن كانت الأمانة العامة للجامعة العربية قد أوضحت أمام الصحافة بأن تمثيل سوريا في القمة وعودتها لممارسة نشاطاتها في مؤسسات الجامعة هو قرار يعود للملوك والرؤساء العرب وبالتوافق في ما بينهم. يضاف الى هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الوزير باسيل، فإنه لم يبادر الرئيس عون أو أي مسؤول لبناني لأدانه الموقف الرافض لحضور ليبيا القمة، ولم تصدر اية ادانة للإساءة المعنوية التي ارتكبها مواطنون لبنانيون بحقها.
يمكن لوزير الخارجية باسيل بصفته الشخصية او كرئيس تكتل نيابي أن يعبّر عن اهوائه وخياراته لجهة دعوة سوريا الى القمة، ولكنه لا يجوز له اتخاذ هذه المواقف المزايدة على الجامعة العربية كرئيس للديبلوماسية اللبنانية، حيث يفترض أن تكون مواقفه وخياراته بهذه الصفة مقيدة بخيارات الحكومة، وإذا كانت الحكومة في وضع تصريف الأعمال فإن عليه أن يراعي في مواقفه العربية المصلحة اللبنانية العليا، ومصالح مئات آلاف اللبنانيين الذين يعملون في الدول الخليجية.
لو نجح العهد في فك عقدة تشكيل الحكومة قبل القمة، وبذل الجهود اللازمة تجاه السعودية ومصر لرفع مستوى تمثيلهما في القمة، لكان قد فتح المجال لاستفادة لبنان من هذه الفرصة الذهبية لتحقيق مجموعة من المكاسب السياسية والاقتصادية أبرزها:
أولا: انتشال لبنان من عزلته العربية، وتأمين عودة المواطنين العرب والاستثمارات العربية اليه، والمساهمة في انقاذ اقتصاده المتعثر.
ثانياً: تأكيد تحييد لبنان عن الصراعات العربية من خلال تطبيق سياسة «النأي بالنفس» فعلاً، وبالتالي وقف الحملات التي تتعرض لها بعض الدول الخليجية والعائلات الحاكمة فيها.
ثالثاً: ستؤدي استعادة الثقة العربية بلبنان المحايد والآمن الى تشجيع جذب الاستثمارات الخارجية الى لبنان، في ظل المشاركة التي وعد بها في مؤتمر «سيدر» بين القطاع العام والقطاع الخاص.
بعد فشل لبنان من توظيف القمة لصالح الخروج من أزمتيه السياسية والاقتصادية يبدو بأنه بات يتجه لاعتماد سياسة المحاور والغرق في التناقضات العربية والإقليمية، والتي ستزيد من هشاشة أوضاعه السياسية وتردي اقتصاده، والدفع نحو الفتنة الداخلية.
العميد الركن نزار عبد القادر