IMLebanon

قمة الشيزوفرينيا السياسية: خطر الفراغ وخطر اللافعل

لا شيء كالعادة في الموعد الرابع والأربعين لانتخاب رئيس يلملم ما بقي من الجمهورية. ولا أسف في العمق خلافاً للظاهر على الحوار الذي جرى تعليقه في الجلسة الحادية والعشرين. فالكل تقريباً يتصرف على أساس ان أزمة الشغور الرئاسي هي نتاج طبيعي لأزمة النظام ضمن أزمات المحاور وصراعاتها في المنطقة. ولا أحد يصدّق ان الحوار كان مرشحاً لإخراج لبنان من المأزق الذي ندور فيه، وان ظهر في ردود الفعل نوع من صدمة التعليق.

ذلك اننا وصلنا الى أعلى المراحل في الشيزوفرينيا السياسية. فالتحذيرات اليومية من مخاطر الشغور الرئاسي والدعوات المتكررة الى الاسراع في انتخاب رئيس تبدو كأنها كلام لممثلين يلعبون أدواراً على المسرح بحيث ينتهي مفعول الكلام بعودة الممثلين الى الواقع. والأحاديث عن تزايد الأخطار على لبنان من اكتمال الفراغ في المؤسسات وصولاً الى الحرب الأهلية مروراً بالأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، تبدو قياساً على سلوك التركيبة السياسية كأنها أحاديث عن بلد آخر.

وليس أخطر من الفراغ، قبل الوصول الى اكتماله، سوى الامتناع عن فعل شيء لردّ الخطر أقلّه بالعمل على ملء الفراغ. ونحن حالياً ضحايا الخطرين معاً وفي الوقت نفسه أبطال خداع النفس. فلا ما نعانيه من تعطيل المجلس النيابي عن العمل التشريعي الضروري والملحّ، ومن سوء الحكومة وشلّها حتى في تقرير الأمور العادية الملحة والضروررية للناس وتزايد الفساد والوقاحة في ممارسته في ظلها، يدفع الى انتخاب رئيس لكي يتحرّك العمل في آلة السلطة. ولا ما يقال في الخطاب عن الكوارث التي تضرب اللبنانيين والأخطار الوجودية على لبنان يقود الى التوقف عن الإندفاع في المسار الإنحداري أو التوقف عن الغطرسة والتوحّش في الصراع على المال والسلطة حتى في نهاية المسار الإنحداري قبيل الوقوع في الهاوية.

والمفارقات لا تنتهي. فالمتغيرات في سوريا والتي قادت إليها حتى الآن حرب سوريا لم تفعل شيئاً في تغيير الرهانات اللبنانية على الصراع الجيوسياسي الدائر هناك وربط مستقبل لبنان بما تنتهي اليه صورة سوريا بعد الحرب. وكلما توسّع الصراع بين ايران والسعودية وازداد التأزّم في علاقاتهما وتعمّق الخلاف في مسائل شديدة الحساسية، زادت الإرتهانات اللبنانية للقرار في طهران والرياض، ولو بقيت بيروت معلّقة في الفراغ. ومقابل مَن يحلم بأن يكتب الرئيس فلاديمير بوتين قصة الرئاسة اللبنانية هناك من يرجّح الإنتظار الى ما بعد وصول رئيس أميركي جديد الى البيت الأبيض.

ولا تغيير في المواقف مهما تغيّر موقع لبنان.