بيروت تعرف ان المؤتمر الدولي في بروكسيل حول مستقبل سوريا والمنطقة هو غرفة صدى لقرارات خارجه. ومن الطبيعي ان تغضب وتقلق حيال الصورة الخطيرة المرسومة للحاضر والمستقبل. ففي القضية الانسانية قدّم المؤتمر أقلّ من الحد الأدنى المطلوب لمساعدة النازحين السوريين. وفي الجانب السياسي تجاوز الحدود بالنسبة الى سيادة الدول المضيفة وحرية النازحين في تقرير ظروف العودة الى ديارهم. الرئيس ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل مارسوا حق لبنان في رفض عبارات ملتبسة وغامضة وتتناقض مع توجهات الدولة في البيان المشترك للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لكن من واجب الجميع تقديم جواب عملي عن سؤال: ما العمل؟
ذلك ان الموقف الدولي الفعلي من موضوع النازحين السوريين معروف وثابت من البداية. وموقف الرئيس عون معروف وثابت كرّره في مجلس الوزراء وصارح به الموفدين الدوليين وطرحه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ولا مرة غابت عن البيانات الدولية عبارات العودة الطوعية والاندماج في سوق العمل والمجتمع وتكيّف الدول المضيفة مع الواقع، وربط العودة بالأمن والتسوية السياسية. ولا مرة تخلّت الأمم المتحدة عن موقفها المختلف مع رأي العماد عون الذي يرفض ربط العودة واعادة الاعمار بالتسوية السياسية، ويرى الفرص مفتوحة أمام العودة الآمنة للنازحين الى المناطق المستقرة أمنيا.
والسؤال، تكرارا، هو: ما العمل؟ الى أي حدّ يستطيع لبنان الذهاب في أزمة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو في حاجة اليهما في أمور كثيرة بينها سيدر ومساعدة النازحين؟ الى أية درجة يبدو الذين يدعون الى الحوار مع دمشق متأكدين من ان النظام يريد حاليا عودة النازحين؟ من يضمن ان يوافق النازحون على العودة قبل التسوية السياسية، وان كان هناك أمن؟ ومن يجرؤ على مخالفة الواجب الأخوي والانساني والأخلاقي الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية بالقول ان لبنان لم يطرد يوما نازحين؟
الواقع ان المجتمع الدولي يلعب الورقة على الوجهين. فمن جهة يقدم بشيء من الواجب الانساني، ومن جهة أخرى يوظف الورقة في اللعبة الجيوسياسية. فالأولوية لدى الاتحاد الأروبي هي لإبقاء النازحين هنا. والأولوية لدى الكبار هي لتوظيف النازحين وسواهم في الضغط على النظام. فضلا عن ان التهجير داخل سوريا مستمر. ثم من قال ان القوات الروسية والأميركية والتركية والايرانية والميليشيات التي جاء بها سوف تنسحب من سوريا؟
الخرائط تتغيّر. ولبنان ليس خارج مستقبل سوريا والمنطقة الذي ترسمه قوى متصارعة ومتنافسة ومتفاهمة.