بعد نصف عام على عملية طوفان الأقصى، يستعيد الجنوبيون من القرى والبلدات الحدودية ذكرياتهم الأليمة مع النزوح القسري عند بدء التصعيد العسكري الإسرائيلي، ارتباطاً بالعدوان على غزة، يتساءلون بمرارة عن مصيرهم في ظل استمرار الحرب وطول أمدها ومتى ستتوقف؟
جنوب سويد، هي أم لخمسة أولاد وقد نزحت عن بلدتها الضهيرة وتقيم حالياً في مركز إيواء الجامعة اللبنانية – الألمانية في صور تروي لـ»نداء الوطن» تفاصيل مأساتها اليومية، وتقول: «لقد رجعنا 40 أو 50 سنة إلى الوراء بسبب الدمار والتهجير الإسرائيلي، وأتمنى أن أعود إلى منزلي قريباً، أنام وأصحو وأدعو الله في هذه الأيام الفضيلة أن تتوقف الحرب ونعود إلى بلدتنا، فالحرب شتّتت العائلات وفرّقت الناس عن بعضها البعض».
في المقلب الآخر من مراكز النزوح في صور، وداخل المدرسة المهنيّة الرسميّة، يقلب الحاج موسى دياب الموسى كفّيه بعد نزوحه عن بيته في بلدة البستان الحدودية قبل نحو ستة أشهر، ويقول: «بالأمس القريب نزحنا واليوم مضى علينا نصف عام، ما أصعب العيش بعيداً من المنزل والبيت، إننا في شهر رمضان المبارك نصلّي ونصوم وندعو الله أن يوقف الحرب ونعود إلى بيتنا لتجتمع العائلة مجدّداً». أما النازح عطا أبو نادر، فيلفت الى «أن الأوضاع صعبة لأننا عاطلون عن العمل ونعيش على بعض المساعدات، ولكننا صابرون لأننا أصحاب قضية محقّة ونرفض أن تعتدي إسرائيل علينا، بعد 6 أشهر على الحرب نتمنّى أن يتوقف العدوان على غزة والجنوب ونعود إلى حياتنا السابقة في أرضنا التي نحب».
وفق آخر إحصائية، فإن العدوان الإسرائيلي المستمر تسبب بنزوح نحو 91 ألفاً من المناطق الحدودية وسقوط نحو 330 شخصاً وإصابة أكثر من 900، عدا عن حرق أكثر من 700 ألف هكتار من الأراضي، ونفوق عددٍ كبيرٍ من المواشي، وإصابة نحو 9 مراكز لتكرير المياه، إضافة إلى عدد من المراكز الصحية.
ويؤكد نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود لـ»نداء الوطن»، أنه «بعد ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، بلغ عدد النازحين المسجّلين اليوم في اتحاد بلديات قضاء صور ووحدة الكوارث حوالى 26,500 نازح».
النازحون المسجلون هم الذين ليس لديهم بيوت في منطقة صور، أي أنّ هناك عدداً من سكان القرى الحدودية اختاروا مدينة صور أو بيروت أو غيرها مقرّ إقامة موقت، وأصبح لديهم بيوت فيها، ولكن النازحين المسجّلين هم الفعليون الذين ليس لديهم منازل، وبالتالي هم من الطبقة الفقيرة.
ووصف حمود الوضع بأنه «صعب للغاية، إذ إن الاقتصاد اللبناني منهار، وحالة الفقر التي ظهرت على سكان هذه المناطق يعكس ذلك. النازحون في مراكز الإيواء ليس لديهم مدّخرات، لأنهم عمال زراعيون، جُلّهم خسر مواسم الزيتون وقسم كبير منهم خسر موسم التبغ في السنة الماضية». واعتبر أنّ «مساعدات الحكومة اللبنانية قليلة جداً، إضافة إلى الجمعيات الدولية والمنظمات الإنسانية فهي لا ترقى إلى مستوى حاجة الناس، واستضافة النازحين مع طول أمد الحرب شكّل ضغطاً كبيراً وغير مسبوق على السكان المحليين وعلى البلديات المضيفة معاً بطريقة مباشرة وغير مباشرة».
وخلص حمود إلى أن «نتيجة كل ذلك تولّدت الهواجس وعوامل القلق النفسية والتي تثير التساؤلات والخوف عن المستقبل، إذا تحققت الهدنة أو وقف إطلاق النار ماذا سيجد النازحون في القرى ويقال إنّ قسماً كبيراً منها لحقه تدمير مثل مروحين والضهيرة وعيتا الشعب حيث وصل التدمير إلى بيوت أكثر من 70 أو 80 في المئة وهناك أكثر. هذا التأثير والضغط النفسي كان أكبر لولا التكافل الاجتماعي الذي يشتهر به الناس مع بعضهم البعض، والجهود التي يبذلونها لمساعدة أهلهم وجيرانهم من جهة، ودعم المغتربين من جهة أخرى وبينهم تقديمات الدولة والبلديات المضيفة، الناس كانت أمام خيارين الذُّل أو الصمود فقرّروا عدم اختيار الذُّل مهما كانت النتائج ونأمل أن لا تطول الأزمة أكثر، والا الضغط سيكون كبيراً خاصة وأننا سنواجه تحديات كثيرة عند العودة إلى قرانا وفي مقدّمها كيفية إعادة الإعمار وإستعادة الحياة الطبيعية فيها».
يذكر أن وزير البيئة ناصر ياسين أشار إلى تخصيص الحكومة «نحو 4 ملايين دولار لأعمال الاستجابة لعام 2023، وأكد السعي لتخصيص نحو 30 مليون دولار هذه السنة أيضاً، فيما لفت منسق الشؤون الإنسانية الأممي، عمران ريزا، الى أن «مخاطر التصعيد تزداد في الجنوب، حيث الوضع هشّ في الأصل»، وأنّ «الأمم المتحدة قدمت المساعدة إلى نحو 35 ألف أسرة»، معلناً السعي إلى «الحصول على نحو 70 مليون دولار أميركي».