بعد شهر ونصف على الثورة التي بدأت حراكاً ثم انتفاضة، يمكن التأكيد على الحقائق الآتية:
أولاً – الإيجابيات أكثر بكثير من السلبيات بل يمكن الجزم بأنّ السلبيات تكاد ألاّ تذكر.
ثانياً: تتوافق الساحات في ما بينها على الإنتفاضة ضد الفساد والفاسدين، وإن كان التعبير يختلف بين طرف وطرف آخر حتى في الساحة الواحدة.
ثالثاً: من نافل القول إنّ جدار الخوف قد كُسر نهائياً. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها خصوصاً أنّ القفز فوق هذا الجدار مستمر ومتصاعد: فمن جهة تعلو القفزة، وفي الجهة المقابلة يتراجع إرتفاع الجدار، حتى يمكن القول إن الجدران التي كانت مرتفعة جداً، وعصّية جداً، ومستحيلة في بعض الأماكن، مرشحة لأن تتحول إلى جدران منخفضة جداً… إلى «الحيط الواطي» وهذا بادٍ للعيان في غير مكان، وفي نوعية التصرّفات والهتافات والتصريحات والمواقف الصادرة عن غير طرف في الشارع.
ثالثاً: طبيعي أن يسعى محليون وأجانب إلى التدخل في الثورة. وهذا حصل فعلاً… ولكن هذه المحاولات فشلت عموماً. ولقد تبيـّن أن القيادات أو الزعامات أو الأحزاب أو المسؤولين الذين حاولوا أن يقطفوا ثمار الثورة (حتى من قبل أن تينع) لم يحصدوا سوى الخيبة.
رابعاً: (وإستطراداً) – إن الشعب اللبناني أكثر وعياً ممّا يعتقد بعض الإنتهازيين ممن وردت الإشارات إليهم في الفقرة الماضية. وليست مصادفة أنه في مطلع التطورات طرد الثوار غير واحد من الذين يمثلون رموز السياسة… فلم يأذنوا لهم أن يعتلوا منبر الثورة في غير ساحة ومكان. فانكفأ هؤلاء إلى المناطقية وعمدوا إلى قطع الطرقات.
خامساً: في قطع الطرقات كان واضحاً أنّ كل طريق مقطوع ينبئ بمن يقطعه: هويةً وإنتماءً ودوافع وأهدافاً سياسية. وأيضاً ليس من باب المصادفة أنّ الثورة في رياض الصلح وساحة الشهداء وطرابلس نبذت قاطعي الطرقات وتبرأت منهم.
سادساً: لقد فتحت الثورة الباب على مدى واسع من التغيير في المشهد السياسي. صحيح نحن لا يصل بنا الأمر إلى حد الإعتقاد بأن التغيير سيكون جذرياً، ولكننا لا نتصوّر أن تنتهي الثورة من دون تحقيق الكثير من أهدافها، وهي حققت أشواطاً بعيدة في مسيرة النجاح…
ويكفي أن يكون إختلاف أهل السياسة على كل شيء تقريباً في مدار تشكيل الحكومة، ولكنهم مجمعون على أنّ الثوار سيكونون ممثلين في التشكيلة الوزارية الجديدة بمجموعة منهم…
على أمل أن يُحْسَن إختيارهم!
… والأمل الأكبر ألاّ يكون توزير الثورة في الحكومة فخاً خبيثاً.