دخلت أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري يومها السادس على التوالي، ولم يظهر في المعطيات المتداولة ما يشير من قريب او من بعيد الى حل يعيد الامور الى نصابها ويزيل الدوافع التي أجبرت الرئيس الحريري على هذا القرار، الذي لم يكن يتمناه لا من قريب ولا من بعيد، وهو الذي ترأس حكومة حققت، في فترة زمنية قليلة، انجازات بالغة الأهمية، لم تتمكن منها الحكومات السابقة على مدى سنوات وعقود..
يرى متابعون أنه من الصعوبة بمكان، بل من الاستحالة بمكان التفتيش عن حل في الداخل اللبناني، بمعزل عن الخارج الدولي – الاقليمي والعربي خصوصاً وأن الرئيس الحريري عزا استقالته من المملكة العربية السعودية، يوم السبت الماضي، الى سلوكية ايران التي «تسلطت» و»زرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن وتطاولت على سلطة الدولة، وأنشأت دولة داخل الدولة، وانتهى بها الامر ان سيطرت على مفاصلها وأصبح لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين..» معتبراً ان «حزب الله» استطاع خلال العقود الماضية (للأسف) فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجه الى صدور اخواننا السوريين واليمنيين فضلاً عن اللبنانيين..» وقد تعززت هذه المواقف التي أطلقها الرئيس الحريري في بيان استقالته المكتوب باعلان مرتفع الحدّة واللهجة مع ايران و»حزب الله» صادر عن قيادات سعودية خلاصته ان المملكة ستعامل حكومة لبنان «حكومة اعلان حرب» معززاً بموقف أميركي يدعم الحكومة اللبنانية ومعتبراً «حزب الله»، «منظمة إرهابية..».
الواضح حتى الآن، ان لا اتصالات لبنانية رسمية مع المملكة العربية السعودية مباشرة، وان كان البعض لم يستبعد هذه الاتصالات عبر اطراف عربية أخرى مثل مصر والاردن بالنظر لخصوصية ومتانة علاقة هاتين الدولتين مع الرياض.. والرئيس العماد ميشال عون، مدعوماً من الرئيس نبيه بري، ماض في مشاوراته مع المسؤولين والقيادات السياسية والحزبية في لبنان، من دون ان يخلص الى نتيجة تضع الامور في مكانها الطبيعي وتعيد الاعتبار للمؤسسات، والجميع متفق على ان عودة الرئيس الحريري هي «الأولوية ليبنى على الشي مقتضاه».. مع اشارة الى تسريبات تتحدث عن برنامج لقاءات لرئيس الجمهورية مع ممثلي البعثات الديبلوماسية العربية وغير العربية في لبنان..
ليس من شك في أن حركة الاتصالات على المستوى الداخلي والموزعة بين القصر الجمهوري في بعبدا، ودار الافتاء في بيروت تمكنت من ضبط الامور تحت سقف الأمن والاستقرار والتهدئة.. والجميع على قناعة بأن ما يواجه لبنان اليوم يحتم على الجميع عمل المستحيل لتحصين الوحدة الداخلية اللبنانية.. لكن ذلك غير كاف ولا يشكل أساساً متينا وثابتاً لأي حل، الأمر الذي دفع البعض الى وصف ما يجري بأنه «أحجية استعصت حتى الساعة، على المسؤولين تلمس حل لها..» لاسيما وأن الرئيسين عون وبري ومعهما وليد جنبلاط وعديدون لايزالون عند قناعتهم، «خشية الدخول في المجهول، وبأن أفضل تسوية لاستقرار لبنان هي حكومة الوحدة الوطنية الحالية..»، و»لن أزيد». على ما قال جنبلاط بالتقاطع مع موقفي الرئيسين عون وبري وخلاصته «ان الحكومة مازالت قائمة، وأن اعلان الحريري استقالته بهذا الشكل لن يغيّر من كامل أوصافها..» فهي «حكومة استعادة الثقة» و»الوحدة الوطنية» و»التوافق الوطني..» و»الانجازات غير المسبوقة» على المستويات الأمنية والاقتصادية والادارية والتشريعية كافة.. وقد تعززت هذه الخلاصة – المسلمة، بتجاوب «حزب الله» لجهة ضبط سقف الخطاب السياسي والاعلامي أقله على الصعيد الداخلي، (وان لم يخفف من حملته على القيادات السعودية) وعدم التصعيد لاستيعاب المشكلة والبحث عن مخارج للأزمة الحالية، على نحو ما كانت عليه كلمة السيد حسن نصر الله (الاحد الماضي) والمتوقع ان تستنسخ في طلته اليوم الجمعة في مناسبة «يوم الشهيد»؟!
في المقابل، فإن البعض من الساعين الى «ادوار كبرى» يتصرف على أساس نقيض لمسلمات الثلاثي عون وبري وجنبلاط، ويؤكد ان «الحكومة صارت في خبر كان.. ومن العبث احياء الموتى..» وراح (هذا البعض) بعيداً، مستبقاً ما قد تكون عليه التطورات ينسج صيفا بديلة عن الحكومة الراهنة، من مثل «حكومة تكنوقراط» او ما شابه، وهو يعرف تمام المعرفة، استحالة الوصول الى ذلك بعيداً عن «التوافق الوطني» بل «الاجماع الوطني» ما قد يوقع البلد في «فراغ له أول وليس له آخر..» ولبنان على مشارف الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.. وذلك وفق تصور مباشر، يهدف – وفق أجندات اقليمية ودولية – الى تعميق الشروخات والتباينات بين الافرقاء السياسيين (الأساسيين) ومن بينهم «حزب الله»…
يبدي عديدون أسفهم لجهة ان هذا البعض، أعطى لنفسه حق النطق باسم رئيس الحكومة (المستقيل) سعد الحريري، ليرسم نيابة عنه «خارطة طريق» المرحلة المقبلة، بركائز هي أقرب الى المستحيل منها الى «الواقعية» التي تميز بها الحريري في مثل هذه الظروف الدولية والاقليمية والعربية (تحديداً الخليجية) من نوع: «تراجع حزب الله عن سلوكياته وتسليم سلاحه وتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها أولاً سحب الحزب من أزمات المنطقة..»؟! وهي عناوين تصلح لأن تكون مادة جوهرية في استئناف «الحوار الوطني» برعاية رئيس الجمهورية، وفي طليعة جدول الأعمال بند «الاستراتيجيا الدفاعية» هذا في وقت، تمضي «إسرائيل» في حفر الخنادق وبناء الجدر عند الشريط الحدودي مع لبنان وتمضي في خرق القرار الدولي ١٧٠١ وسائر القرارات ٢٤ على ٢٤ ساعة، براً وبحراً وجواً. ولا يلقى لبنان، الدولة والجيش والشعب سوى الوعود بوقف هذه الانتهاكات الاسرائيلية والانسحاب من تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وشمال بلدة الغجر فتكون خطوة أولى باتجاه نزع الذرائع..