IMLebanon

الضربة الثلاثية: معركة إخراج إيران من سوريا!

الضربة الثلاثية: معركة إخراج إيران من سوريا!

بوتين يخسر اقتصادياً وسياسياً وتصدّع معادلة موسكو – طهران – النظام

 

قوات عربية في سوريا باتت أمراً واقعاً  بعد الضغط الأميركي

مَرّت أيام عدّة على الضربة الأميركية ضد أهداف سورية تابعة للنظام، بمشاركة فرنسية وبريطانية كردٍ عسكري على استخدام النظام، بقيادة بشار الأسد، أسلحة كيماوية مُفترضة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية. الضربة جاءت مُحْكَمَة ودقيقة، إنما محدودة قياساً بما كان يُسرَّب من سيناريوهات عن عملية أكبر ببنك أهداف أوسع يتجاوز المواقع والمنشآت التي لها علاقة بالسلاح الكيماوي.

يعود قرار «دوزنة الضربة»، وفق منظرين لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جملة أسباب، أولها: بروز تحفظ لدى الأوروبيين على خروج الضربة عن نطاقها المحدود لتشمل قواعد ومواقع أكثر للنظام ولإيران تحديداً، فيما هُم يجهدون بحثاً عن مخرج لأزمة الاتفاق النووي في أعقاب موقف ترامب السلبي من الاتفاق، ومطالبته بتعديله تفادياً لإلغائه من جانبه، وكلهم أمل بالوصول إلى تسوية بشأنه. ثاني هذه الأسباب، معارضة وزير الدفاع  جيمس ماتيس «ضربة عسكرية كبيرة» قد تؤدي إلى انفلات الأمور في سوريا، ووقوع الأميركيين في حسابات خاطئة، في الوقت الذي يتّجهون فيه إلى تحقيق اختراق جوهري لمسألة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية والتي تحتل الأولوية مع الإعداد الجاري للقاء التاريخي المرتقب بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جون أون. أما ثالثها، فهو غياب استراتيجية أميركية – أوروبية – عربية لإزاحة الأسد عبر عمل عسكري.

تلك الأسباب ساهمت في ضبط اندفاعة  «سيّد البيت الأبيض» الذي لا يُريد أن يكون الرد العسكري أميركياً منفرداً، بل جامعاً لأكثر من دولة. كما أن أهمية ملف كوريا الشمالية لا تحتمل أي مجازفة راهناً، فيما أفق التحرّك العسكري في سوريا يستمر مفتوحاً ما دامت الأزمة لم تُقفل بعد، ولا بد تالياً من تجهيز قوات عربية ضمن خطة واضحة وواقعية. وكان التقييم أن من شأن الضربة المحدودة إيصال الرسالة المطلوبة إلى البريد الروسي وحلفاء «سيّد الكرملين» وتحقيق الأهداف المرجوة منها في اتجاهات متعددة.

في القراءة الأميركية، حققت الضربة أهدافها. «الرسالة» بتشعباتها وصلت إلى موسكو، ومفادها أن الغرب موحّد رغم كل الرهانات على تباينات في ملفات عدة يمكنها أن تُضعف أميركا كما حلفاءها الأوروبيين، وأن هذا الغرب حين يُقرّر، يفعل. كذلك تفيد «الرسالة»، من المنظار الأميركي الأضيّق، أن الولايات المتحدة هي صاحبة الكلمة الفصل، وحُلم بوتين بعودة «زمن القطبين» يدخل في سياق الأوهام. فما اعتقد «القيصر» أنه حققه على مدى السنوات الماضية، زمن حقبة أوباما، تلاشى مع وصول ترامب الذي لم يتكلّف حتى عناء الخصومة. في تشعبات الرسالة أن روسيا لاعب مهم، لكن لا يمكنها أن تلعب منفردة ووفق قواعدها وشروطها. وكما تُوجِّه رسائلها من الميدان السوري، تصلها أيضا رسائل من الميدان نفسه. ما يريده  ترامب هو الضغط على بوتين من أجل الالتزام بـ «مسار جنيف» لحل الأزمة السورية. المسارات الأخرى: من محادثات آستانا مروراً بمحادثات سوتشي وصولاً إلى محادثات أنقرة، كلها مبتورة وساقطة، وما يريده أيضاً هو الضغط باتجاه تسليم روسيا بأن الأسد لا يمكنه أن يقود مستقبل سوريا بعد المرحلة الانتقالية.

هذا ما يُسرّ به المراقبون على  المقلب الأميركي، أما الرواية فتصبح أكثر تفصيلية على المقلب الروسي. مطلعون على كواليس الكرملين يقولون أن بوتين حاول الرد في الميدان السوري على الضغوطات التي يواجهها من الغرب، فكانت الصفقة التركية – الروسية في عفرين. وفي مقابلها كانت الغوطة الشرقية، ومعها غض طرف عن مزيد من التعزيزات الإيرانية، فيما دقائق الاتفاق الروسي – الأميركي  تشمل تقليص الحضور الإيراني وأذرعه في هذا البلد. هنا كان لا بد من توجيه رسالة قوية إلى موسكو عبر «الضربة». ما جرى في دوما شكل الفرصة المؤاتية،  فَهِم بوتين الرسالة، فأراد تدارك المضاعفات واحتواء الموقف. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوسيط مع ترامب. جاءه الجواب: المطلوب خروج إيران من سوريا.. دخل الرئيس التركي على الخط وسيطاً ثانياً، فسمع الكلام نفسه. مطلب يحتاج «القيصر» إلى وقت وخطة وظروف وآلية للسير به كما أن ثمة أثماناً لا بد من أن يحصل عليها لا تتعلق بحصته في سوريا بل تتعلق بحدائقه الخلفية والعقوبات والتسلح. المفاوضات في الكواليس أفضت إلى منح بوتين ما يريده وإلى مخرج الضربة المحدودة و«المدوزنة».

في المعلومات، أن بوتين سيدعو الأسد إلى موسكو للبحث في تفاصيل المرحلة المقبلة. الإيرانيون دخلوا سوريا بطلب من النظام، ولا بد للنظام بدوره من أن يطلب تقليص الوجود الإيراني. المسوغات موجودة من باب أن مهمة محاربة التنظيمات الإرهابية شارفت على نهايتها. على أن السؤال يتمحور حول مدى رغبة الأسد وقدرته في فك الارتباط مع إيران بعد كل ما دفعته؟ هذا بيت القصيد قبل أن يكون المطلوب الدفع برأس النظام إلى طاولة المفاوضات بغية التحضير لبدء مرحلة الانتقال السياسي، والبحث في مصيره بعد التسوية.

الاقتناع السائد لدى خبراء في الشأن الروسي أن بوتين خرج من هذا الاستحقاق خاسراً. خسر حيال الداخل الروسي، ولا سيما مع التراجع الحاد في العملة الروسية، وخسر حيال الخارج بعدما أظهر موقفاً ضعيفاً. اللافت أن المراقبين، على المقلبين الأميركي والروسي، يرون أن بوتين خسر ما كان قد حققه خلال السنوات السابقة من مكانة سياسية وموقع متقدم في المعادلة الدولية. في الاعتقاد أن بوتين ذهب بعيداً. فمعادلة «روسيا – إيران – النظام» لا يمكن هضمها. ويبرز المأزق في أن إيران الموجودة بقواتها وميليشياتها على الأرض لن تُسلّم بالواقع الذي يتم العمل على فرضه. ولن تتوانى عن قلب الطاولة على الجميع إذا كان ما ينتظرها في المنطقة سيُدرَج في خانة الهزائم، وهذا ما يجعل المنطقة برمتها على حافة الهاوية.

السيناريوهات المقبلة ضبابية. ما بدأ يتبلور أكثر فأكثر هو الضغط الأميركي على الحلفاء العرب لتشكيل قوة عسكرية تأخذ على عاتقها مسؤولية ضمان وتأمين المناطق المحررة من تنظيم «داعش». ليس ثمة إرباك في المواقف الأميركية المتناقضة حول الانسحاب الأميركي من سوريا أو عدمه، أنه جزء من عملية الضغط، وتشكيل قوّة عربية بأت أمراً لا مفر منه. الدول العربية التي ستُشكّل تلك القوّة ترغب في أن تأتي الخطوة ضمن أطر الحل السلمي وتحت مظلة الأمم المتحدة. واشنطن وحلفاؤها يفضلون ذلك، لكن لا يرون مشكلة في «ناتو عربي» إذا استخدمت روسيا الـ «فيتو»  في مجلس الأمن.