عندما وزعت صور أو مشاهد تعرُّض بعض السجناء الإسلاميين في سجن روميه لتعذيب وحشي على أيدي عناصر من قوى الأمن، خلنا أن هذه اللقطات مأخوذة من سجون إيران ونظام آل الأسد. خلنا هؤلاء الذين يتعرضون للضرب والركل الـ 15 ألف لبناني المعتقلين منذ أكثر من ثلاثة عقود في السجون السورية. خلناها من مقتبسات انجازات شبيحة الأسد. آه! الإرث المتناقل، ارث الطغاة، يمتلك العقول ويجتاحها كالأوبئة. لكن ما لفتنا في هذه العملية انها مصوّرة. هناك من يصور فيلماً تماماً كما كانت تفعل كتائب الأسد وهي تعذب المواطنين السوريين. مصور؟ نعم! لكن أين المخرج؟ والسيناريست؟ هذا ما لم أكن أفهمه. من صَو؟ نعم! لكن من أوحى بالفكرة، ثم من وزع الشريط؟ انها الأسئلة «الخبيئة» و»الخبيثة» التي لم يجب عنها أحد. لكن كما صرح الوزير أشرف ريفي فالموزع (وربما المنتج) هو حزب البراميل المتفجرة، والكلور وتهجير أهل القصير، ومنعهم من العودة إليها وهو حزب حماية القتلة والجواسيس. فالتوزيع أحياناً اهم من «الفيلم» أنه يلبي «رغبة» المشاهدين، بالإثارة والتحريض وتوجيه الأنظار إلى حيث يريد، أي إلى الفتنة. ومن أولى بذهنية الفتنة سوى حزب الفتنة؟
فالممثلون هم رجال الأمن وهؤلاء في نظر الحزب، محسوبون على معارضيه. والضحايا «إسلاميون»، اذاً حبكت مع الحزب. (أو سبق ان حبكت معه كثيراً): انه قمع رهيب فلا بد من الانتقام اذاً. المنتقمون المفترضون طبعاً هم «داعش» خصوصاً. و«داعش« سينتقم من الذين تعرضوا للإسلاميين.
هذا هو بيت القصيد!
وهنا اشتعلت منابر «المقاومة المرحومة» وشاشاتها، وصحفها العميلة واستنفرت مرتزقتها الجاهزة بزلاعيمها وأوراقها. التحريض على الانتقام وردود الفعل: اعتصامات في بعض المناطق اللبنانية، أضاءتها بالعريض المكبر محطة «المنار» السوداء. وها هي تفلش مانشيتاتها: النصرة وداعش إلى الشارع». الارهابيون «السنة» يعلنون الحرب على المعتدلين من السنة و14 آذار. اذاً فتيل الفتنة. اشعلوه. وعندها يكون للحزب «الامتياز» الأرحب، امام العالم، بأن السنة المعتدلين ليسوا بمعتدلين، وبأنه، أي الحزب، عنده وحده القدرة على مواجهة التطرف. خصوصاً، وأنّ مثل هذا البث لمشاهد التعذيب أوحى ان كل السنة هم متطرفون: والدليل ساطع بالصوت والصورة: رجال الأمن محسوبون عليهم. عال! فلماذا لا يكون حزب احمدي نجاد (المشغول حالياً بحماية المهدي المنتظر من مؤامرة أميركية، كما انشغل الحزب بحماية مقام السيدة زينب) هو الاعتدال. الله! الاعتدال بوجهه السمح. البشوش. المعطاء. السلمي. المدني، الذي ان سمح له الغرب فسيكون حامي مصالحه، وناسه في لبنان والمنطقة. اذاً هو في مستوى اعتدال حزب سليماني ان يكون «شاويشاً» في احدى ولايات الفقيه وربما «المنتظر« أيضاً!
[الحماية الاسرائيلية
ولماذا لا ينجح في هذه المحاولة، ما دام تمكن من الانخراط في الحرب على الثورة السورية برعاية أمريكية وبركة «اسرائيلية» ونعمة روسية وَجُود ايراني. فهو لم يذهب إلى سوريا الا لأن الشعب السوري طالب به و»حزباه» ! وا»حزباه» ولبى النداء! فمثل هذه الأمور تمر، فلماذا ستفشل في لبنان، إذا قرر حزب ولايتي ان يرتكب في لبنان ما ارتكبه الحوثيون في اليمن. فالحوثيون أيضاً لبوا نداء الشعب اليمني، لاستعادة الشرعية والسلام والطمأنينة والسيادة إلى بلادهم. اذاً ما في «الميدان غير حديدان» لكن «حديدان» اليوم هو حليف «الاسلاميين». حليف «داعش» لم يرشق «أبطالّه التكفيريين« بوردة، أو ببرميل متفجر، او بالغاز أو بالكلور. تماماً كما عامل اسرائيل: مرّ بالجولان مرور الضيوف الكرام! حيا من يجب ان يحييهم بحرارة. واكمل طريقه لمحاربة الشعب السوري. وهنا بالذات قمة اعتداله. والدليل انه حيّد المتطرفين الذين دأب اعلامه على اعتبارهم «تكفيريين» و»ارهابيين» وركز على الجيش الحر. والدليل انه حيّد أيضاً «العدو الصهيوني» وهي بطاقة ذهبية وشهادة عالية يمكن أن يقدمها (أو سبق ان قدمها) للمجتمع الغربي واسرائيل واميركا. فنحن بحسب أقوال «رعاة» الحزب لا نريد محاربة اسرائيل (الآن) فهي ليست من أولوياتنا. المنطق ذاته ينطبق على داعش. فهذا أيضاً مجرد ورقة اعلامية، وهو ليس من أولوياتنا بل من محفوظاتنا وكنوزنا واحتياطنا النقدي والمعنوي والدموي.
[ أولويات الحزب
نظن انه في الفترة الأخيرة تشابكت مشاريع الحزب وارتبكت وتضاربت بحيث صار ما هو في أسفل الأولويات في رأسها. أو العكس. فاذا لم يكن «داعش» من أهدافه بل حليفه «المنتظر» أيضاً واذا كانت اسرائيل كتفاً بكتف معه في الدفاع عن نظام الأسد فلم لا تكون العودة الميمونة إلى لبنان؟ أي إلى استكمال بعض ما تبقى من مشروع «الهلال الصهيوني»، أي الاقلاع عن تأجيل المعارك الفاصلة مع أهله، ومعارضيه، لكن هذه المرة (ربما كمرات سابقة أيضاً) تنقلب الأدوار: حزب الله يضع نفسه في ضفة «الاعتدال» وتيار «المستقبل» (عبر اتهامه بمساندة التكفيريين) هو ممثل التطرف. أي انه يرمي السُنّة المعتدلين بوحوله وقذاراته وجرائمه وتحالفه مع نظامين ارهابيين السوري والإيراني: «قذارتنا نرميها في سلالهم وعلى شرفاتهم وفي عقولهم ونتنكر بالنظافة!«.
[ نظافة ناصعة
الله! ما أنصع نظافتكم يا حزب البياض؟ ولماذا اذاً لا يتحول الحزب ما دام على هذا المستوى، من سرقة ملفات المعارضة ودس ملفاته مكانها: وعندها ربما، قد يقول الحزب يوماً، ان 14 آذار هي التي كانت تحارب في سوريا دعماً للنظام، وهي ساهمت في خطة البراميل المتفجرة والكلور والقتل. أكثر: فلماذا لا تكون 14 آذار هي التي اغتالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز؟ ولماذا لا يطالب الحزب عندها بمحكمة دولية تحاكمهم! صدقوني: هذا الخيال قد يصبح يوماً واقعاً مع هؤلاء!
[ تبييضه إسرائيلي
لكن تبييض صفحة الحزب (سبق ان ساهمت فيه اسرائيل وأوباما) يصطدم بكثير من العقبات. هذه التخيلات قد تكون مجرد أقوال حزب وقع في الهذيان الفصامي والبيسكدورامي انهزم في سوريا واليمن وبدأ يتفكك في بيئته ويعاني تساقطاً مُدويّاً أفقياً وعمودياً. كأن كل هذه «الهلوسات» لم تعد تفيده. فالوضع السوري على حافة انهيار الأسد، والحوثيون فشلوا في انقلابهم اليمني. وحتى الحزب في لبنان تقلصت مساحاته الشعبية، (فما بالك في العالم العربي الذي بات بالنسبة لمئات الملايين لعنة اشد من اللعنة الاسرائيلية).
على هذا الأساس وبعدما نفدَ مخزونه القتالي وراح يلجأ إلى الأطفال (وربما غداً إلى الكواعب) ليقدمهم أضحيات على مذبح إيران، قد يستخدم هذه المعطيات، وسواها، في أضغاث خطة، متوازية لتسفيه الشارع المعارض له، وتشويهه، وإعدامه من خلال اللجوء إلى يافطة التكفيريين ليرتكب باسمهم اغتيالات جماعية (كما في مخطط حليفيه سماحة المملوك) أو فردية لرموز 14 آذار. وكما اتهم في السابق خصومه بالعمالة لإسرائيل، وصفّى من صفّى منهم، ليتّهم بعدها إسرائيل بذلك، فها هو اليوم يتهم السُنّة وتيار المستقبل بدعم التكفيريين، ليعمد إلى اغتيال بعض رموزهم، ويتهم بعدها التكفيريين بذلك. فإعلام الحزب، وتركيزه على التحركات التي شهدتها بعض المناطق استنكاراً لعملية تعذيب الإسلاميين في سجن رومية، هو نوع من التهديد السافر والمبطن: أنظروا يا تيار المستقبل: فحذار: المتهم بقتلكم جاهز! (كما كان جاهزاً في الماضي) واستعدوا. وهذه ليست سابقة طبعاً، فقد وضع السيد حسن نصرالله خطوطاً حمراء للجيش في معركته مع ربيب النظام السوري الإرهابي شاكر العبسي في مخيم نهر البارد. وسبق أن ورّط الجيش في مواجهة بعض العشائر البعلبكية في الضاحية. ومنذ أشهر حتى الآن، يحاول توريط الجيش اللبناني في معارك القلمون. (ولا ننسى في هذا الإطار اغتيال الشهيد وسام الحسن). إذاً، لو انخرط الجيش تحترق ورقته ويمكن عندها تقسيمه. والآن يريد الحزب إحراق ورقة شعبة المعلومات انتقاماً لاكتشاف هذه الدائرة خلايا إسرائيلية تجسسية، ومؤامرة سماحة، وعمالة فايز كرم.
ولا ننسى أنه بدّد ورقة انتخاب رئاسة الجمهورية، وعطّل الحكومة. (وسبق أن قام بانقلاب القمصان السود على حكومة الرئيس سعد الحريري وجاء بالألمعي نجيب ميقاتي رئيساً)، وشلّ مجلس النواب، وضرب الاقتصاد، وعُمق الدولة، ومؤسساتها، وتدخّل في القضاء: الهدف من كل ذلك هو تصوير أن لبنان لم يعد جمهورية، ولا دولة، ولا كياناً، ولا شعباً، ولا تعددية، ولا سيادة، ولا اعتدالاً، ولا دوراً…
[ دهشة الحزب
واللبنانيون (ما عداه طبعاً، وهو مجموعة من العباقرة والمثقفين الكبار)، ولبنان كائن رخوي، أو مريض يجب معالجته، والطبيب المداوي طبعاً هو حزب الله «وداوني بالتي كانت هي الداء»). ونظن أنه هال الحزب كيف ما زال لبنان واقفاً على قدميه. بل كيف تمكن شعبه من درء فتنه «الصهيونية» عليه. فالبلاد التي يحاول الحزب إحراق كل أوراقها، اكتشف أن أوراقه (هو) هي التي احترقت. عاد مُهلهلاً، من سوريا مأزوماً، منهكاً، مهزوماً. وبعدما كاد يكون نجم إنقاذ الأسد من الثورة الشعبية، بات نجماً ساقطاً في مياهه ووحوله. فها هو يلعب بما تبقى له من وسائل: تعويض خسارته في سوريا بتخريب لبنان. أو بالأحرى تعويض انتكاساته هناك، بنقل مآسي الشعب السوري واليمني والعراقي والليبي إلى أهله. قلت أهله؟ (بل أعداؤه! كيف تستقيم علاقة حزب بشعبه إذا اعتبره الحزب عدواً، ويجب معاملته كعدو، أي ضرب مقومات وجوده وعيشه وسُبل حياته، وآماله. فهذا ليس مستغرباً: فعندما يأتي الغزاة يحوّلون الأرض المغزوّة أرضاً محروقة، ليحاولوا بناء شعب «جديد» من تصوراتهم، أي شعب مفترض غير قابل لأن يكون حقيقة، أو وجوداً. منذ عشر سنوات والحزب يتصرف في لبنان كغاز. يذكرك بالمغول أحياناً، وبالصهاينة أحياناً أخرى، وبتيمورلنك في أكثر من مكان. بل لماذا نذهب بعيداً: يذكرك بما فعلت إيرانه، في اليمن وسوريا والعراق وكادت تفعله في البحرين: ضرب كل شيء: الدولة، الوشائج، التاريخ. فعندما تُعدم شعباً تُعدم تاريخه وجغرافيته وثقافته ودولته. وهذا ما يفعل حزب الله! وما همّ الحزب أن يرى لبنان أنقاضاً وحطاماً، ما دام يستطيع استخدام الحطام والأنقاض لبناء دويلة إيرانية عليهما. أوليس هذا دور كل عميل وجاسوس؟ أولم يكن هذا بالذات دور بعض الميليشيات في حرب لبنان، خدمة لهذا الخارج، أو المحتل، أو الوصاية، أو المنتدب؟ أولم يكن هذا دور بعض الصحافة التي صُنعت في دوائر مخابرات الطغاة، والأنظمة العربية، لتحقّق مصالحها، وأطماعها الدنيئة؟ أولم يكن ذلك دور بعض «القيادات» الحزبية التي سلمت كل أوراقها للخارج، ليعينها على تحويل لبنان أنقاضاً وحطاماً؟ (كيف تكون صحافة تسمى لبنانية تتواطأ، منذ نشوئها، مع كل من أراد شراً بوطنها؟! إنها الخيانة؟! نعم!).
[ الفشل
لكن بدا حتى اليوم، أن كل هذه المخططات إما فشلت فشلاً ذريعاً، أو أنها لم تحقق كل ما تنشده. وفي الحالتين، يبدو أن الوقت لم يعد حليفها. صار عدوّها. فالزمن لأهله. والزمن للشعوب يا حسن نصرالله، وليس لمدمني المؤامرات والاستبداد والفتن. صارت 14 آذار أقوى بسلميتها، وبناسها، وباعتدالها، إزاء انقلاب التاريخ على حزب ولايتي. نعم! صارت 14 آذار أصفى في رؤيتها للأمور، وفي معالجتها الأزمات، وفي مقاومتها المشاريع الفتنوية. ذلك، أنه عندما تنكشف حيل المشعوذ، ينتهي دوره. وحيَل الحزب قد انكشفت لعبة لعبة، ولم يعد له سوى أن يخترع ألعاباً عبثية أخرى. فشعبة المعلومات له بالمرصاد، خصوصاً في علاقات الحزب السرية بإسرائيل. وبالمرصاد له في كشف مخططات إجرامه. ففضح مخطط سماحة المملوك! والمحاولات الجارية لتعطيل هذة الشعبة باتت يائسة يا حزب سماحة والمملوك وشاكر العبسي وداعش… وأحمدي نجاد!
[ انتصار الدولة
وقد بدا حضور الدولة التي يريد الحزب إعدامها أقوى في معالجة أمور كثيرة، منها مواجهة جريمة تعذيب السجناء الإسلاميين في سجن رومية. هنا تحديداً نسجل انتصار الدولة (ولو نسبياً) بتوضيح كل شيء، وإدانة هذه العملية، ومروّجيها، وموزّعي أشرطتها. فوزير الداخلية نهاد المشنوق كان رجل دولة بامتياز، وما فعله لم نشهد سابقة له لا في النظام السوري ولا الإيراني، ولا عند حزبهما التكفيري الأثيري، قال المشنوق وريفي: العقاب الأشد لمرتكبي الجريمة البربرية، بالتعجيل بمحاكمة رجال الأمن المسؤولين عنها. نعم! كانت إشارة قوية خاصة من الوزيرين، على أن الحكومة يمكن أن تكون فاعلة حتى عندما يريد حزب «الخوارج« تعطيلها. (وهذا ما يفقده أعصابه وتوازنه المهزوز أصلاً، ويستثير جنونه وغباءه أيضاً). وهكذا فعل النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل، والتيار المدني، وأهل الديموقراطية. انقلب سحر المشعوذ على المشعوذ. فبدلاً من النجاح في إثارة فتنة مذهبية، ها هي أكثرية الشعب اللبناني، بمن فيها «شيعة السفارة» التي تصدت مع أهلها لهذه المؤامرة. بل أكثر كشفت هذه الأزمة بوضوح تام الأدوار بأقنعتها ووجوهها: صحافة الفتنة الفارسية الأسدية، مقابل صحافة أخرى حرة. مرتزقة مأجورون لقاء حُفن من الدولارات مقابل مشاعر ناس أحست أكثر فأكثر بمخاطر ما ينسجه حزب إيران. كأنما بات هناك بوضوح تام اليوم، خطان متواجهان: خط الاغتيال، الفتنة، الكانتونية، الفارسية، العنف، التطرف، مقابل الاعتدال، السلم الأهلي، لبنان الموحّد، العروبة، الدولة، الجمهورية، السيادة.
وما تبقى عند الحزب من نار يحرق بها لبنان، لم يعد يختلف عما تبقى عند النظام السوري… لتدمير سوريا!