لا يمكن إلاّ مواربة، الأخذ بالتنظيرة التعبوية القائلة بأنّ «حزب الله» يقاتل في سوريا وهو «مطمئن« إلى قدراته على مواجهة أي مستجدّات ميدانية.. في جنوب لبنان.
لأهل الممانعة مع هذه التنظيرة ومع المنطق برمّته قصّة أخرى. بل أن لدى البعض منهم وخصوصاً روّاد التشبيح الإعلامي زاداً من الهيجان لا ينزل منسوبه تحت سقف قدرة «المقاومة» على تعديل وجه الشرق الأوسط بالجملة! حتى وإن كان واقع الميدان السوري مثلاً يقول بعجز متعدّد الطبقات يبدأ من «معاناة» مستمرّة منذ ثلاث سنوات لـ»تحرير» بعض الجرود الجبلية المحاذية للحدود الشرقية اللبنانية من دون نجاح يُذكر، ولا ينتهي عند العجز عن إكمال السيطرة على حيّ صغير في بلدة محاصَرَة منذ خمس سنوات، من دون ترميدها بمعونة الطيران الحربي الروسي، وبمساومات وصفقات وتجارات متعدّدة الهويّات والأهواء!
لا يليق بالبيان تبخيس قابلية «مقاومة» «حزب الله» على المواجهة. ولا اللعب بخفّة مع جاهزيتها وتنظيمها وسلاحها وصواريخها.. لكن لا يليق بأحد ولا بشيء في المقابل، تركيب جوانح للتماسيح، وابداء قدرات تخريفية من نوع الانخراط في حربَين دفعة واحدة. أولى فعلية في سوريا ضدّ شعبها. وثانية افتراضية في جنوب لبنان ضدّ الإسرائيليين! هذه مزحة سمجة وثقيلة الدم. خصوصاً وأنها تسترخص الدم! ولا يدلّ مطلقوها سوى على ضحالة بائسة تشبه كثيراً ضحالة بطولات صدام حسين وتهديداته عشية حرب العام 2003! ورعونة الخلاصي الذي لا يعرف شيئاً خارج الثنائية المتناقضة: إمّا «محروم» لا يكفّ عن الندب. وإمّا قادر بطران لا يعرف التواضع!
ما كشفته ورطة «حزب الله» على مدى السنوات الماضيات في سوريا يتمّم في الواقع، الخلاصات التي انتهت إليها حرب تموز 2006: لولا هذه، ما كانت تلك ممكنة! ولولا الهدوء السيبيري، غير المسبوق منذ العام 1948 في المنطقة الحدودية الجنوبية وانطلاقاً منها، لما كان لـ»حزب الله» أن يذهب بهذه الأريحية إلى سوريا. والمشاركة في إتمام نكبة أهلها. والاستخفاف المَرَضِي بالجغرافيا والديموغرافيا! وبأصول الدين والدنيا جملةً وتفصيلاً!
والمفارقة في هذا البلاء، هي أن «حزب الله» يعرف أنه بقتاله في سوريا يُغضب معظم الناس إلاّ الإسرائيليين! ويغيظ كل شعوب المنطقة ما عدا الإسرائيليين! وذلك أحد أبرز أسباب اطمئنانه المحسوب: المذبحة التي ينخرط فيها ضدّ السوريين تعطّل إسرائيل وتمنعها من القيام بأي خطوة أو حركة استفزازية للتشويش على ما يحصل! وحساباته بهذا المعنى دقيقة وصحيحة ولا تحتاج إلى أي إثباتات بل إلى وعي تبسيطي وشديد التسطيح لمَن يشاء!
.. تحت سقف «الانتصار» في حرب تموز الذي ترفده «إنجازات» الحروب في سوريا، لا يُحسد أحد في هذه الدنيا، مثلما تُحسد إسرائيل على «هزائمها»!