IMLebanon

العملية التركية وأثمان عودة دمشق الى “الجامعة”

 

 

خلط الأوراق الذي أطلقته العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا لن يقف عند حدود الوضع السوري بعد الإدانات الغربية والعربية الواسعة لاندفاعة رجب طيب أردوغان نحو إقامة المنطقة الآمنة واقتطاع حصة من الملعب السوري وسط التغييرات الديموغرافية وتوزيع مناطق النفوذ فيه.

 

فضلاً عن التوقعات بأن وقوع أردوغان في فخ غربي نُصب له جراء “عدم ممانعة” ضمنية عند بعض الدول الكبرى حيال هدفه، سيرتد عليه في الداخل التركي، فإن خلافات سائر الدول العربية والغربية مع طموحاته تتيح لهذه الدول الانتقام من نزعته الأمبراطورية عبر التكافل ضد العملية التركية. والعاصفة التي قوبل بها تراخي الرئيس دونالد ترامب مع أردوغان بعد توغل قواته في الداخل السوري لا سيما عند أكثرية قادة الحزب الجمهوري نفسه، لن تبقى كلامية. غضب الجمهوريين والديموقراطيين من سحب ترامب قواته من الشمال الشرقي وتخليه عن الحلفاء الأكراد وتساهله مع أردوغان على رغم الشروط التي وضعها على عمليته العسكرية، أخذ يتجاوز الضغط على ترامب كي يتخلى عن هذه السياسة، حيث باشر إثنان من قادة الجمهوريين إجراءات إصدار قانون عقوبات ضد الرئيس أردوغان نفسه، ونائبه ووزراء الدفاع، الخارجية، المال، التجارة والطاقة، تشمل حجب تأشيرات الدخول وحظر بيع أنواع الأسلحة والتقنيات الى تركيا…

 

إلا أن أبرز ما تؤشر إليه ردود الفعل على العملية التركية هي الإدانة المصرية والسعودية وبالتالي الخليجية لها، باعتبارها “تعدياً على سيادة سوريا ووحدة أراضيها”. فهل اغتنمت الدول العربية المحورية في القرار الإجماعي العربي، الفرصة كي تستند إلى هذا التطور الدراماتيكي حتى تباشر الانفتاح على دمشق في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة التي تسبق انعقاد القمة العربية في آذار؟ لا تخفي أوساط ديبلوماسية عربية معنية أن اتصالات بدأت في هذا الصدد قبل العملية التركية، وأن تحركاً يجري لذلك، وسط تسريبات بأن الجانب المصري قد يطرح الأمر على مجلس الجامعة. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيطلبه من القيادة السعودية خلال زيارته الرياض الإثنين المقبل، كما أعلن وزير خارجيته سيرغي لافروف.

 

قد تهدأ الحملة على أردوغان إذا التزم الحدود التي أبلغته بها واشنطن للمنطقة الآمنة المفترضة، خلافاً لعمق الـ30 كيلومتراً التي أرادها هو. مرت أشهر على تفاوضه مع الجانب الأميركي، الذي تردد نتيجة حلفه مع قوات “قسد” الكردية العربية، ثم قبل معه بعمق يناهز الـ5 كيلومترات وسط تسريبات بأنه قد يتساهل لتصل إلى 7 كيلومترات. إلا أن ضمور مساحة المنطقة الآمنة قد لا يتيح نقل مليونين إلى 3 ملايين من النازحين من تركيا إليها. هذا فضلاً عن أن العملية نفسها تسببت بالمزيد من النزوح داخل سوريا لتفاقم هذه الأزمة. أما موسكو فتركت الأمر لأردوغان، مقابل تغطيته الضمنية لسيطرة النظام على إدلب بمساعدتها. وفي كل الحالات تتم التضحية بنفوذ الكرد في الشمال الشرقي لسوريا والقضاء على حلمهم بحكم ذاتي تخشاه إلى أنقرة، كل من بغداد وطهران. وتستفيد موسكو من تخلي واشنطن عن هؤلاء لتجديد تفاوض قادة “قسد” مع نظام بشار الأسد برعايتها.

 

تنقل خطوة أردوغان وتفاعلاتها الدولية والإقليمية المنطقة إلى مرحلة جديدة من تقاسم النفوذ في سوريا، يجري رسم خرائطه من دون رأي حكام دمشق كما في كل مرة، مع أنهم يستفيدون من أن الحليفين الروسي والإيراني جزء منها.

 

خلط الأوراق بابٌ لعودة دمشق إلى الجامعة، فهل تحصل الدول العربية المعنية على ثمن بالحد من دور ونفوذ طهران في بلاد الشام، أم أن العودة مؤشر لتفاوض أميركي إيراني وباب لتفاوض العرب مع طهران؟