ما حصل أول من أمس الاثنين، بين «أمل» و»التيار الحر»، كان رسالة بالغة الخطورة في التوقيت وفي المضمون، الى كل المعنيين.. تجاوز خطوط تبادل السجالات اطلاق النار السياسي الى الشوارع والساحات والاحياء فارضاً سينوريوات وعرض عضلات وتهديدات، على وقع مضمون شريط فيديو، سربته، على ما قيل، رئيسة قسم الكتائب في محمرش – البترون، كانت حاضرة لقاء انتخابياً عقده رئيس «التيار الوطني الحر» (وزير الخارجية) جبران باسيل، وتحدث فيه بنبرة عالية غير مسبوقة، اتهم فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ»البلطجة»، على خلفية الاشكاليات المأزومة بين الرئاستين الاولى والثانية.. أعقبه تسجيل صوتي يقول فيه: « بدنا نكسرلو راسو..»؟!
ما حصل لم يأت من فراغ، لكنه شكَّل صدمة لغالبية اللبنانيين أظهرت مدى الانحدار الخطير الذي آلت اليه العلاقات بين من يفترض أنهم «شركاء في المسؤولية وفي ادارة الدولة، وفي الاستراتيجية السياسية والوطنية..
يتفق الجميع، على ان ما حصل وضع البلد على «كف عفريت» وعلى فوهة بركان الفتنة الداخلية التي لا يفيد منها سوى اعداء لبنان واللبنانيين.. وأعاد فتح صفحة كلفت غالياً في الارواح والممتلكات، في وقت كان اللبنانيون يتطلعون الى فتح صفحة جديدة وثابتة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني.. بعيداً من محاولات البعض دفع البلد الى انزلاقات «فتنة البلطجة» في حق رئيس مجلس النواب نبيه بري وما ومن يمثله..
يكفي التدقيق في عدد من ردّات الفعل، وتحديداً بيان المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، وبيان هيئة الرئاسة في حركة «أمل» التي عقدت اجتماعاً طارئاً خلص الى اعتبار «ما جرى تداوله من كلام صادر عن رئيس «التيار الوطني الحر» يحمل ابعاداً خطيرة تهدد وحدة البلد وإستقراره وأمنه، وهي دعوة مفتوحة الى فتنة ستأخذ في طريقها كل ما أنجز على مستوى البلد، وتذكرنا بحروب التحرير والالغاء المشؤومة التي جلبت للبنان الدمار والويلات..». وقد زاد البيان الصادر عن «المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى» من حدّة الخطاب محملاً «العهد مسؤولية هذا النهج المستنكر والمدان..»؟! وقد تعززت هذه المواقف بوقوف «حزب الله» الى جانب الرئيس بري، وقد بارح موقع «الحياد» بين الرئاستين الاولى والثانية، رافضاً «رفضنا قاطعاً الكلام الذي تعرض بالاساءة» الى الرئيس بري، ومعتبراً ان «هذه اللغة لا تبني دولة ولا تأتي بالاصلاح، بل تخلق مزيداً من الازمات وتفرق الصف وتأخذ البلد الى مخاطر هو بغنى عنها..».
يلاحظ عديدون أنه لم يصدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أي موقف، وهو الذي كان منشغلاً باستقبال الرئيس الالماني فرانك فالتر شتاينماير.. وهو شاء (أي الرئيس عون) ان يبعد صورة ما جرى عن ضيفه مركزاً على القضايا الأساسية.. كما لم يصدر عن الوزير باسيل، صراحة او ضمنا، ما يشير الى تجاوبه مع الدعوات الى «الاعتذار»، بخلاف ما أعلن عنه رئيس الحكومة سعد الحريري في أعقاب لقائه رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري في بعبدا، متمنياً ان «تتجه الامور الى التهدئة والايجابية..» على خلفية «ان البلد ليس في حاجة لا الى التصعيد ولا الى التأزيم..» قائلاً «لقد سمعنا الكثير وحصل اعتذار من قبل الوزير باسيل.. ولندع الامور عند هذا الحد، ومع الوقت نأمل ان تحصل التهدئة..» التي عاد يشتغل لها على خطي بعبدا وعين التينة.
لقد نجحت المساعي الأمنية في ضبط التطورات الشارعية عند حد.. لكن السؤال هو وماذا بعد؟ وهل ستكون لهذه التطورات، التي لم تكن في حساب عديدين، تداعيات على وضع المؤسسات الدولتية، وتحديداً الحكومة، ولبنان أمام استحقاقات بالغة الأهمية؟!.
قد يكون من الصعب الجزم بما ستؤول اليه التطورات الاخيرة التي فجرت الاحتقان المتراكم والمتزايد بين فريقين مؤثرين في الحكومة («أمل» و»التيار») وهل ستتمكن المساعي والمناشدات من ضبط الفلتان عند حدود ما جرى أول من أمس، أم ان التداعيات مفتوحة على كل الاحتمالات، ولن تقف عند الحدود السياسية؟!
يناشد العديد من الافرقاء السياسيين المعنيين بالازمة مباشرة، التطلع الى ما حولنا، وتجاوز العاصفة التي هبت على البلد وتدارك تداعياتها.. كما يناشدون رئاسة الجمهورية و»التيار الحر» وقيادته، «تصحيح هذه الاهانة المرفوضة من خلال موقف واضح وصريح يعيد الامور الى نصابها وينفس الاحتقان في الشارع ويؤسس لمرحلة جديدة تحمي الاستقرار الداخلي، كما وتحمي الحكومة وسائر المؤسسات من أية تداعيات ستكون في «غاية السلبية» وذلك على الرغم من استبعاد وزير المال علي حسن خليل، أي تأثير للموقف على الحكومة مؤكداً الاستمرار فيها، على الرغم من أنه لم يخف «ان ما وصلت اليه الامور أكبر من موضوع الحكومة وأخطر..».
يؤكد متابعون وجود سيناريوات عديدة في هذا المجال بدأت تظهر الى السطح، من دون ان تسلك طريقها الى التنفيذ بعد.. والكرة هي في ملعب اثنين: رئيس الحكومة سعد الحريري و»حزب الله» ومدى تجاوب الرئيس عون والرئيس بري مع هذه السيناريوات..
ليس من شك في ان ما آلت اليه الاوضاع بالغ التعقيد، ومن الصعب الاعتقاد بأن المسألة ستمر «مرور الكرام».. ومخاطرها أكبر كثيراً من نفعها بالنسبة لسائر الافرقاء الذين يتطلعون الى ما ستكون عليه هذه «الهمروجة» في صناديق الاقتراع النيابية، هذا، إن حصلت الانتخابات ونجت من قطوع الفتنة الداخلية المصطنعة.»