لإسرائيل عقدة نفسية من لبنان. وهي من خلال حربها الدائمة عليه، تريد الشفاء من عقدتها، بل من عقدها المتعددة، تريد أن تشفي غليلها.
فنحن لا نقول هذا الكلام جزافا، بل نرى بالمحسوس الملموس، كيف توضحه أهداف حربها في لبنان، منذ أن استيقظت فيها عقد الكراهية والحقد والحسد ومصادرة الدور اللبناني وتحطيمه وعرقلته، الدور الذي يلعبه لبنان في العالم العربي، وفي العالم الإسلامي، وفي العالم الغربي.
فإسرائيل بدأت حربها على لبنان بكل وحشية، منذ كانت توجّه ضرباتها على الأهداف المدنية فيه والعسكرية، دون أن تكون الدولة اللبنانية، في واردها:
بدأت بإقتطاع القرى السبع، منذ ظهورها السرطاني في الخمسينيات. وتوسّعت بضرب البلدات الآمنة، في الشريط الحدودي، منذ مطلع الستينيات. وعمدت إلى تخويف الأهالي، حتى لا تكون لهم حياة مزدهرة على أرضهم، وحتى يفكروا دائما بالهجرة وإخلاء البيوت العامرة. وأنشأت الشريط الحدودي داخل الأراضي اللبنانية، لمدة خمس وعشرين عاما، بكل صلافة وإستهتار بالقوانين الدولية المرعية الإجراء، والتي تمنع الدول من إختراق أو التعدّي، على حدود الدولة المجاورة.
وفي السبعينيات، كان إعتداؤها الشهير على مطار بيروت، فدمّرت أسطوله المدني، أحرقت الطائرات المدنية على مدرجاته، وأرعبت المواطنين و المسافرين والزائرين والسياح والتجار. فكانت تلك الضربة، قاصمة الظهر للمطار، وللعاصمة بيروت، وللبنان وجميع اللبنانيين بلا تمييز ولا إستثناء.
تلازمت حرب إسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية، بحربها، على منشآت لبنان المدنية، التي ليس لها أدنى صلة بالقضية. كانت توجه الضربات إلى معامل الماء والكهرباء والملاعب والمنشآت الثقافية، والمراكز الرياضية والإجتماعية. وقصفت عشية الرابع من حزيران المدينة الرياضية. بادئة حربها على لبنان في العام 1982. كانت تدمر الجسور التاريخية، والجسور ذات الهندسة المعمارية الفنية. لم تدع جسر المعاملتين، ولا جسر جبيل، ولا جسر البترون ولا جسر عاليه وصوفر وبحمدون.. كانت تتصيّد الجسور والعبّارات، بين عندقيت وأكروم والقبيات، في كل الحروب التي إستهدفت لبنان، في جميع الأعوام، وخصوصا: 1982و1996، و2006. وغير ذلك من الأعوام.
كانت تضع في بنك أهدافها، جميع الطرقات اللبنانية، جعلتها رأس أهدافها: في الشمال والجبل والبقاع والجنوب. ولم تلبث أن إحتلت العاصمة بيروت. كانت تصرّ على التلازم، بين حربها على اللبنانيين، وحربها على الفلسطينيين. تدمّر المخيمات، تماما كما تدمّر القرى والمدن والبلدات، وتضرب مراكز اليونيفيل، وتحرق مراكز الإيواء، بالقنابل الفوسفورية، الممنوعة دوليا.
تستهدف إسرائيل، منذ ظهورها وحتى اليوم، الجيش اللبناني واليونيفيل، في كل قصف، في كل رماية، في كل ضربة، وهي التي شقت الجيش اللبناني، وصنعت لنفسها – حقدا وكراهية للبنان ولللبنانيين – جيش لبنان الجنوبي.
إستهدفت إسرائيل دولة لبنان، بعد التقسيم، وبعد معاهدة الهدنة. لم تدع طريقا ولا طريقة لتدميره، إلّا وأتخذت من ذلك مسارا لها. لازمت بين حربها عليه، وبين حربها على منظمة التحرير وعلى المخيمات الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني. فأضرّت بنيته الطرية العود، وأضرّت شعبه الشغوف بالحياة، وحالت دون تقدّمه، منذ سلك طريق الإستقلال، ومنذ أن رفع رجال الاستقلال، الشعار اللبناني المشهور: الحياد في الصراع بين قوى الشرق وقوى الغرب أثناء الحرب الباردة، فلا هو ممر ولا هو مقر، لأية قوة، من القوى الدولية والإقليمية المتصارعة.
كشفت إسرائيل عن عدوانها تجاه لبنان، بعد إحتلالها الجولان. فمدّت أياديها إلى مزارع شبعا، وإلى بلدة الغجر، وإلى وادي الحاصباني وإنتزعتها، وجعلتها تحت سيطرتها، فرابطت مدرعاتها هناك. ولازمت بين إحتلالها للجولان، وإحتلالها، لهذه الأجزاء من الأراضي والقرى اللبنانية. لازمت بين هذين الإحتلالين، على الرغم، من عدم مشاركة لبنان: لا في حرب 1967، ولا في حرب 1973. جعلت هذه الأراضي اللبنانية، للتفاوض، فلا يستطيع، أن تمتد سلطته إليها. وأظهرت للعلن، في المحافل الدولية، نيّتها العدوانية، بتلازم المسارين، بين التفاوض مع سوريا، والتفاوض مع لبنان. حتى بات العمل الإسرائيلي، على نظرية تلازم المسارين، الشغل الشاغل للأمم، وهو محض إفتراء وتضليل وكراهية للبنان وسوريا.
بعد السابع من أكتوبر، وغزوة غزة والقطاع، وإحتلال أجزاء عظيمة منها، أعملت إسرائيل آلتها العسكرية في تدمير البنى المعمارية والبنى الحياتية، ووجّهت قواتها، لحرب إبادة. وظهر للعيان، عدم تورّعها عن الإقدام على إرتكاب أشنع وأفظع الجرائم الإنسانية فيها.
وبدأت بالتوازي مع غزو غزة، بشنّ حرب إعلامية على لبنان، وذلك بالمناورة والاستدراج إلى حربها في غزة. وصارت قواها العسكرية، تضع الخطط اليومية، لضرب الأهداف. ولم تتورع عن إستهداف المدنيين ولا البنية المدنية ولا الجيش اللبناني ولا المنشآت المدنية، اتخذت كل ذلك أهدافا لطائراتها ومسيّراتها، ولازمت بين الحرب اليومية التصعيدية على غزة وحماس والفصائل الفلسطينية، والحرب اليومية التصعيدية على لبنان والمقاومة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، وصولا إلى بيروت، التي لم تستثنَ من أغراضها الحربية، فكانت قد استهدفتها بمسيّراتها الحربية.
تتحدث إسرائيل بعد مئة يوم من حربها في غزة ولبنان، عن تلازم المسارين، فلا عودة للأمن والاستقرار في لبنان، بعد غزوة غزة، إلّا بعد التسليم بشروطها. وما أدراك ما شروط إسرائيل الجديدة: الإحتيال على لبنان واللبنانيين، حتى يصيروا إلى جثة هامدة!
وربما تحدثت إسرائيل بعد ذلك، عن تلازم المسارين، بين لبنان والدولة الحوثية في اليمن. وعن تلازم المسارين في حربها، بين لبنان والعراق. وعن تلازم المسارين في استهدافاتها، بين بحر لبنان والبحر الأحمر. وعن تلازم المسارين، بين الموانئ اللبنانية، وبين موانئ باب المندب، لِمَ لا!
وللذاكرة والذكرى نقول: ألم توجّه إسرائيل إلى مرفأ بيروت، في الرابع من آب 2020، في الذكرى المئوية لتأسيس لبنان الكبير، ضربتها الحقودة الإستباقية!