Site icon IMLebanon

إيران تعترف بحلّ الدولتين.. يا عرَب!

 

هناك الكثير من الأخبار والمواقف وحتى الأسرار تأخذ بال الإعلام وأهله، وكُلّها تحتمل الكلام والسجال وتحتل المساحةَ الأكبر من الإعلام التلفزيوني والإذاعي والصحافة، لكنها أدنى بما لا يقاسُ قوّةً وغرابةً ومدعاةً للمساءلة بين الدوَل بعضها ببعض، ولتناوُلها كطبق جديد طازج هي موافقة إيران الحاضرة في القمتين العربية والإسلامية في السعودية على البيان الختامي الذي قال بحلّ الدولتين!

حلُّ الدولتين، دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية على أرض فلسطين… فهل بات هذا اليوم مقبولاً عند كل دول العالم بلا استثناء، بمن فيهم إيران؟ إيران؟ نكرّرها لكي نتأكّد أننا قرأنا الصحّ في الخبر ولم نتخيّل!

 

هذه وحدها مسألة بحاجة إلى التأمّل والصبر والدراسة والتحقّق خشية أن نُحَمّل الجُملة الموافَق عليها في القمّتين فوق طاقتها، وحين اجتماع العرب والمسلمين الضخم، يطالب بحلّ الدولتين للصراع العربي – الإسرائيلي، فالعجب فعلاً لا قولاً أن يكون الإعلام مَرّ بلا إعارته تركيزاً ما دفعنا إلى متابعته في الصحف وفي النشرات الإخبارية من أجل التأكّد من حدوثه، والتأكّد أيضاً من أنّ عدم الاهتمام به أتى من باب عدم إثارة «شوشرة» وترك الأمر لوقت آخر.

فإذا كان ما قرأناه واقعاً تم الاتفاق عليه في القمَتين، وهو كذلك، لكن زيادة الاستفهام ضرورية، وحلُّ الدولتين الذي كانت إيران ولا تزال ترفضه وتعانده وتعمل ضده أصبح من الأدبيات السياسية التي سنسمعها من المسؤولين الإيرانيين بلا أقنعة ولا مواربة، فإن أول نتائج الحرب الطاحنة على غزة هي اعتراف إيران بالدولتين، ما يعني اعتراف «حماس» بهما، واعتراف حزب الله أيضاً وكل فرقاء هذا المحور، بعدما كانت الضبابية مسيطرة على لُغة بعض دول هذا المحور في الاعتراف، ولغة البعض الآخَر الرفض المطلق.

في عزّ الحرب على غزّة جاء هذا الاعتراف، فلماذا اختير له هذا التوقيت؟ هل لأن العالَم كلّه مشغول بغزّة وويلاتها ومقاومتها الأسطورية، وتالياً سيضيع رنينُ اعتراف إيران بالدولتين وطنينُه تحت وابل الصواريخ الوحشية الإسرائيلية، وذلك أفضل من أي توقيت آخَر تكون فيه الشاشات هادئة ومستقرّة وفارغة بانتظار ذلك الخبر الصادم!

وإذا كان معروفاً أن إيران لا يمكن أن تعطي شيئاً على مستوى المطالب السياسية والأمنية مع كل الدول، كما نعرف، إلّا باستيفاء ثمن مسبق أو لاحق ولكنه فوري، فماذا أخذت إيران في عزّ الحرب على غزّة وحضور الأساطيل الأميركية والغربية ووصول المَشهد العام إلى حد شكل الحرب العالمية هيجاناً واحتقاناً وغضباً؟ وهل كان الثمن الذي أخذته إيران معجّلاً أم مؤجلاً بحيث يبدو في الأيام القليلة المقبلة بعد هدوء جبهات القتال؟

وبوضوح أكبر: هل ستدخل أدبيات جديدة على خطاب حزب الله بشأن ضحالة إسرائيل واعتبارها على شفير الزوال الإرادي؟ وكيف سيمرّ هذا التعديل في وجهة السير، باصطدامات أم بسلاسة؟ وهل بات السيد حسَن نصرالله مدعوّ إلى التخفيف قدر المستطاع من تلك النبرة المبدئية القاطعة الحازمة والحاسمة بشأن إسرائيل ككيان مصطنع مُركّب وغير قابل للحياة في المنطقة، والاستعانة بعيون البيانات الرمادية، والسيّد واضح وصريح ربِيَت أجيال على مقاومته وعنوانها الأبرز الذي أثبتَت عملية «طوفان الأقصى» صدقَه «إسرائيل أوهَن من بيت العنكبوت»؟

لم يظهر في الإعلام حضور أو نشاط كبير وواسع وعالمي لإيران ومسؤوليها (وزير الخارجية فقط وبحدود!) في الحركة التي أعقبَت «طوفان الأقصى»، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن حاضرة وناظرة ومقرّرة في كل المنصات التي عُقدت على حريق غزّة «ومنسجمة» تماماً مع المملكة العربية السعودية، البلد المضيف للقمّتين، وأغلب ظني حين تُقال جُملة الاعتراف بحل الدولتين للمسألة الفلسطينية، بحضور الرئيس الإيراني رئيسي، ومن منبرِ السعودية والأمير محمد بن سلمان، والقمّتان بمغزَيَيْن عريضين: واحدة عربية كاملة، وواحدة إسلامية كاملة، فالمعنى أن «وراء» ذلك الكثير مما ينبغي أن يَبني عليه العرب والمسلمون في واحدة من أخطر القضايا العربية والإسلامية: فلسطين.

يبدو أن إتفاق الصين الذي جمع السعودية وإيران قبل سنة، وتفنّنت بعض الصحافة العربية أخيراً في استكشاف أجنحته المكسّرة، يبدو أنه دخل مرحلة أكبر وأوسع وأمضى: القضية الفلسطينية لم تَعُد بين فريقين فلسطينيّين متباعدين تكتيكياً واستراتيجياً، بل أصبحت على سكّة واحدة: حلّ الدّولتين، والاتفاق على المبدأ يَجُبُّ التفاصيل الخلافية ويطيحُها. إلى هنا انظروا في المرحلة المقبلة.