ما بين وصف «الطاغية» الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما على بشّار الأسد ـ وهو أقل بكثير من حقيقة وحش النظام القاتل ـ وبين الكلام الذي أطلقته المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل ـ تحت ضغط أزمة اللاجئين السوريين وبعد القمة الطارئة في بروكسل التي عقدها قادة الاتحاد الاوروبي ـ خلال الأسبوع الماضي: «علينا ان نتحدث مع فرقاء كثيرين، وهذا يشمل الاسد» وبينهما تسويق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبشّار الأسد و»تهديد العالم» من الخسارة الكبرى إن لم يتعاون مع حكومة الطاغية الذي اخترع «داعش» وأخواتها، وأطلق من سجونه كلّ الإرهابيّين ووزعهم على العراق ولبنان وسوريا، وهذه سياسة معهودة للنظام منذ كان نظام آل الأسد!!
صحيح أن تحفظات دولية خرجت رداً على دعوة أنجيلا ميركل، إلا أنها تحفظّات لا تتناسب وحجم الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد منذ أربع سنوات وهي كما وصفها تماماً الدكتور سمير جعجع في رسالته لميركل: «آلةُ القتل الوحشية، التي أشمئز من تسميتها، ليست قابلة للتفاوض ولإعادة التأهيل»، وهنا، لا بُدّ لنا من توجيه تحيّة للدكتور سمير جعجع الذي توجّه إلى أنجيلا ميركل من دون مواربة ولم يتردّد في التأكيد على فظاعة جرائم بشار الأسد، بالرّغم من معرفته أن «زبانية» هذا النظام ستنطلق جوقتهم في مهاجمته بعنف شديد.
بالتأكيد لم يتحمل الدكتور سمير جعجع ألا يخرج صوت عربيّ واحد في العالم العربيّ ليعلّق على كلام ميركل الذي فاجأ العالم العربي، لكأنّ أوروبا استسلمت تحت وطأة أزمة اللاجئين فيما لبنان يتحمّل أضعاف ما تتحملّه الدول الأوروبيّة مجتمعة، فقرّر أن ينطق بالحقّ نيابة عن الصامتين ـ غالباً ـ إذ دعا «المجتمع الدولي، لتقويم فظاعة الجرائم التي ارتكبها هذا الديكتاتور وإحقاق العدالة حتى لا يوسم القرن الحادي والعشرون بظلم فادح يشجّع مجرمين آخرين على التمادي في الإفلات من العقاب؛ وحتى لا يُسجل القرن الحادي والعشرون تراجعاً عن القرن السابق في احترام «القانون الدولي لحقوق الإنسان»، وبالطبع القرن العشرين يحمل وصمة عار كبرى من الحربين العالميتين إلى قضيّة فلسطين إلى الأوزار التي تحملّها لبنان بسبب اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه لم يشهد قتلاً كالذي يعيشه الشعب السوري، وكفى بظاهرة البراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي بنسبة كافية للقتل إجراماً غير مسبوق، في هذه السنوات الأربعة سقط ما يوازي ويزيد عن عدد اليابانيين الذين سقطوا بقنبلتيْ هيروشيما وناكازاكي الذريّتين.
بدون شكّ؛ في وقت يفلت فيه «القتلة الكبار» من العقاب، يعجز الناس البسطاء، بل يكادون يفقدون إيمانهم ليس فقط بعدالة الأرض بل بعدالة السماء أيضاً، وفي كلّ مرّة يصطدم فيها الأبرياء بحجر الطغاة الساحق، يبقى الإيمان واليقين بصدق الوعود الإلهية لهؤلاء في الكتب السماوية الجذع الذي يعضّون عليه حتى لا يقعوا فريسة الشكّ أو الكفر، فهذا البازار المفتوح في سوريا بين المافيا التاجر الروسيّ والإرهاب الإيراني و»قدّيسي» القتل في حزب الله، يصبح الصمت جريمة، ربما على هذا الأساس جاءت بالأمس رسالة الدكتور سمير جعجع على طرق «اللهمّ اشهد إنّي قد بلّغت»…
«حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ أَدْعُو وَأَنْتَ لاَ تَسْمَعُ؟ أَصْرُخُ إِلَيْكَ مِنَ الظُّلْمِ وَأَنْتَ لاَ تُخَلِّصُ؟ لِمَ تُرِينِي إِثْمًا، وَتُبْصِرُ جَوْرًا؟ وَقُدَّامِي اغْتِصَابٌ وَظُلْمٌ وَيَحْدُثُ خِصَامٌ وَتَرْفَعُ الْمُخَاصَمَةُ نَفْسَهَا» [سفر حبقوق 1:2، 3]، هذا حال «المؤمنين» الذين يستفظعون صمت العالم الدولي إزاء ما يرتكبه النظامين الإيراني والسوري ومن ورائهما النظام الروسي، والدول الكبرى الصامتة على هذه الجريمة وأولها الولايات المتحدة الأميركيّة ورئيسها الجبان باراك أوباما، الذي تذكّر بعد أربع سنوات أن بشّار الأسد هو «الطاغية»، وأن لا مكان له في سوريا، ومع هذا فقد تركته قرارات أوباما المترددة يُـمعن في القتل، وهنا لا نجد الرئيس الأميركي إلا شريكاً في القتل لبشّار الأسد!!
عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : «إنّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» [الصحيحان ، البخاري ومسلم]، والإملاء في اللغة الإمهال وإطالة المدة ونقيضه الإعجال، وكفى بالله وكيلاً وهو أسرع الحاسبين.