تؤدي السياسات السكانية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالنساء وعدد الأطفال في الأسرة، دوراً كبيراً في إطار تطور الفرد والعائلة والمجتمع. وعلى هامش افتتاح المؤتمر العربي الاقليمي حول السكان والتنمية في بيروت، تجول رئيسة صندوق الأمم المتحدة للسكان، نتاليا كانم، في لبنان وعلى جدول أعمالها لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وآخر مع رئيس الحكومة سعد الحريري، لتناقش معهما السياسات السكانية في لبنان، في ظل أزمة النزوح السوري، حاملة معها شعار حملة الصندوق لهذا العام: «قوة الاختيار».
وأكّدت كانم، خلال جلسة مع صحافيين حضرتها «الجمهورية»، في بيت الأمم المتحدة – الإسكوا أنّه حيثما أتيحَت للناس خيارات فعلية مالوا إلى تأسيس عائلات صغيرة، لافتة إلى أنّ الصندوق ينفّذ برنامجاً ناشِطاً في لبنان، بالتعاون مع جهات حكومية ومنظمات.
وشددت كانم على أنّ «الصندوق والأمم المتحدة موجودان هنا لدعم سياسات الحكومة اللبنانية في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، لافتة إلى أنّ «لقاءها بالرئيسين هو الأول».
وقالت: «لذا، أريد أن أستمع إليهما وإلى أولوياتهما، وهذا هو السبب الأساسي لوجودي». مضيفة: «كذلك سنعرض مجدداً المساندة والدعم للحكومة، كما نفعل في عملنا اليومي».
وأشارت إلى أنّ لبنان يستحق الإشادة والمديح لاستقباله الكثير من اللاجئين والنازحين المحتاجين الذين يصلون إليه، وهو بذلك قد أثبت تعاونه بالأفعال.
قرداحي
وأوضحت مسؤولة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان، أسما قرداحي، التي حضرت الجلسة، أنّ عمل الصندوق إلى جانب النازحين السوريين في لبنان تركّز خصوصاً حول موضوع تنظيم الأسرة، وسط الحديث عن وجود الكثير من الولادات في صفوفهم.
وأوضحت أنّ كثرة الانجاب قد تؤثر سلباً في صحة النساء، وكذلك في طاقة الدولة، وخصوصاً وزارة الصحة.
ولفتت إلى أنّ الصندوق أجرى دراسات مهمة منذ 5 سنوات شملت «الحاجة غير المُلبّاة في ما يخص تنظيم الأسرة»، أي كم من السيدات السوريّات يَحتجن الى استخدام وسائل تنظيم الاسرة، أو مباعدة ولاداتهنّ، من دون أن تكون لديهنّ إمكانية فِعل ذلك.
وقالت: «بعدها، وضعنا استراتيجية وطنية حول تنظيم الأسرة، بالتعاون مع وزارة الصحة، وسنُطلقها في شهر كانون الأول برعاية الوزارة، وهي تلحظ كل التدخلات التي تتعلق بالخدمات، نَشر الوعي، والتوعية حول بعض البرامج».
وأشارت إلى أنّ «الصندوق وضع أيضاً خطة بالتعاون مع نقابة القابلات في لبنان ليتمكّن من الوصول إلى النازحات السوريّات، بهدف تقديم نوع من المَشورة لهنّ»، موضحة أنّ ذلك «يحصل من خلال تدريب القابلات على تقديم هذه المشورة وكيفية التعاطي مع السيدة، وتزويدها بالمعلومات، وإقناعها بأهمية مباعدة الولادات للوصول إلى نوع من تنظيم الأسرة».
وأوضحت أنّ «هذا البرنامج بدأ منذ 3 سنوات ونتائجه جيدة جداً، خصوصاً أنّ عدداً من السيدات اللواتي حضرن حلقات المشورة تَمكنّ من اصطحاب أزواجهنّ أيضاً، فباتت الرسالة تصل إلى المرأة والرجل ليتّخذا قرارهما سوياً في ضوء المشورة».
وأعلنت أنّ «هذا البرنامج يستهدف فئة الشباب بالدرجة الأولى، وقد وصل الصندوق إلى حوالى 50 في المئة من القابلات في لبنان، بينما نطمح إلى تدريب كل القابلات لتكون لديهنّ إمكانية تقديم هذه المشورة».
شبانه
وتحدث مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية، الدكتور لؤي شبانه، عن دعم اللاجئين في لبنان من خلال مكتب يدير برنامجاً من شقّين: الأول، مساندة لبنان. والثاني، مساندة مخيمات السوريين، ويُنفَّذ عبر الوزارات.
ولفتَ إلى أنّ مكتب الصندوق في لبنان يقود جهوداً لطرح احتمال حصول لبنان على بيانات أكثر دقة حول تعداد سكانه.
وقال: «لا نعرف كيف سيتطور هذا النقاش وإلى أين سيقود؟ ولكننا نطرح إمكانية النظر بالأبعاد التقنية وكيف يمكن لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن يدعم لبنان إذا قرر القيام بتعداد لسكانه».
وأضاف: «علماً أنّ هذا موضوع إشكالي، إلّا أننا نحاول أن نرى ما هي التقنيات الجديدة والحلول التي يمكن أن تساعد السياسات السكانية في الحصول على داتا للسكان أكثر دقة».
كانم
من جهة ثانية، يعمل الصندوق مع وزارة الدولة والهيئة الوطنية لشؤون المرأة بهدف تطبيق الاستراتيجية الوطنية للنساء في لبنان، والتي تدخل في إطار رؤية 2020.
وأوضحت كانم أنهم «ينفّذون خطة تحرّك تتناول العنف الموجّه ضد النساء في لبنان، ودور الصندوق هو التأكد من أنّ مكوّنات خطة القاهرة تدخل في إطار استراتيجية المرأة، وهي تتضمن السعي لتطوير الصحة الانجابية والرعاية، لأنّ الصندوق يهتم بدورة الحياة منذ ما قبل الولادة، إلى الطفولة، والبلوغ، حتى كبار السن».
وأكدت أنّ النساء غالباً ما يَحتجنَ للحماية عندما يصبحن كبيرات في السن، لافتة إلى أنّ «الحماية أساسية لشيخوخة فرحة وصحيّة».
وشددت على أولويات أساسية، هي:
– إمتلاك الأزواج والأفراد قوّةَ اتخاذ قراراتهم بأنفسهم بشأن إنجاب الأولاد، وتوقيت ذلك، وعدد الأولاد، لافتة إلى أنه حيثما أُتيحَت أمام الناس خيارات فعليَّة، فإنهم يميلون إلى اختيار تأسيس عائلات أصغر، في حين أنّ تقييد اختياراتهم يدفعهم إمَّا إلى تأسيس عائلات كبيرة، أو عائلات صغيرة للغاية قد تخلو أحياناً من الأولاد.
وقالت: «نهدف للتأكد من أنّ كل حَمل مرغوب به، وأنّ كل ولادة ستكون آمنة، وأنّ الشبّان والشابّات في هذه المنطقة سيستفيدون من التعليم الجيد، ومن القدرة على بناء قدراتهم، ومساندة قيادتهم، ليفهموا أنه بإمكانهم المشاركة بإيجابية في ازدهار شخصهم وبلدهم ومجتمعهم، وأنّ قدراتهم ستكون في أوجها».
وأشارت إلى أهمية إبعاد الحمل عن الآخر، والحَدّ من تزويج القاصرات حماية لصحة المرأة، لافتة إلى أنّ الزواج المبكر لا يزال رائجاً في منطقتنا.
وقالت: «هناك إثباتات بأنّ الاستثمار في التخطيط العائلي هو أحد أفضل الأشياء التي يمكن فعلها في إطار التنمية والتطوير، خصوصاً أنه يخَوّل النساء حماية صحتهنّ، ويسمح لهنّ بالاهتمام بأطفالهنّ وعائلاتهنّ، ويُمَكّنهنّ من المشاركة في تطور اقتصاد بلدهنّ».
وأكدت أنّ من أهداف الصندوق أيضاً الوصول إلى «صفر وفيّات أثناء الولادات، وصفر عنف قائم على أساس الجنس»، مشيرة إلى «العنف المنزلي ضد النساء». وشدّدت على أنّ النساء يجب أن يَكنّ في أمان ومُحترمات.