يوماً بعد آخر، يكبر «جيش» العاطلين عن العمل. وكلّما زادت الأزمة الاقتصادية والمالية سوءاً، زاد التدهور في «قطاع العمل» الذي يخسر في كل يوم جزءاً من عماله. وزادت جائحة «كورونا» الطين بلة، إذ منحت أصحاب العمل أسباباً إضافية لصرف العمال أو – في «أحسن» الأحوال – خفض رواتبهم وشطب التقديمات. هذا الإجراء، سواء كان صرفاً أو خفضاً أو شطباً، غالباً ما يتذرّع بقانون العمل الذي فتح الباب أمام المؤسسات لإنهاء عقود العمل «في حال اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء» (البند «و» من المادة 50). هكذا، يمسك أصحاب العمل، مستندين إلى القانون، برقاب الأُجراء لديهم بحجة الأوضاع القاهرة.
لا يتوقف عدّاد الصرف أو الحسومات على الرواتب عن «العدّ». في كل يوم تسجّل شكاوى لدى وزارة العمل والنقابات. ولئن كان يصعب تحصيل رقمٍ واحد لجيش المصروفين أو الذين باتوا بنصف راتب أو بربعه، نظراً إلى كثرة الجهات التي يلجأ إليها الشاكون، من وزارة العمل إلى الاتحاد العمالي العام إلى المرصد اللبناني لحقوق العمال والمستخدمين إلى الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، إلا أن ارتفاع أعداد الشكاوى لدى وزارة «الوصاية» يشي بصعوبة الواقع. إذ يشير آخر إحصاءات الوزارة إلى أن «عدد شكاوى المصروفين الفردية المسجلة بلغت 1953 والشكاوى الجماعية 129» في الفترة الممتدة بين تشرين الأول 2019 وتشرين الثاني 2020. وفي الفترة نفسها، بلغت أعداد طلبات التشاور التي تقدّمت بها الشركات 384، منها 26 طلباً صريحاً لخفض رواتب العمال. وهو رقم يتخطى بكثير ما كان عليه عام 2018 (55 طلباً). وغالباً ما تتقدم المؤسسات بتلك الطلبات «متذرعة بالوضع الاقتصادي لصرف العمال فقط»، على ما يقول مصدر في وزارة العمل.
وزيرة العمل، لمياء يمين، تتحدث عن مسار بات يومياً في تلقّي «الشكاوى المستمرة منذ الربيع الماضي». ومع الأخذ في الاعتبار «وضع المؤسسات»، تدعو يمّين إلى «إنصاف العمّال لأنهم الحلقة الأضع». لذلك، حذّرت في بيانها الأخير المؤسسات «من مغبة خفض الأجور من دون أي مبرر قانوني ومن دون أي خفض لساعات العمل»، لأن ذلك «مساس بعنصر أساسي من عناصر عقد العمل ومخالفة واضحة لأحكام قانون العمل».
عدم شمول مجالس العمل التحكيمية بتمديد المهل يؤثّر على حقوق المصروفين تعسفاً
مع ذلك، أرقام وزارة العمل ليست نهائية لمن باتوا بلا وظائف ولا رواتب، بدليل الاتصالات التي ترد من عمال خسروا أعمالهم أو انخفضت رواتبهم إلى عددٍ من النقابات. وفي هذا الإطار، يشير رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، كاسترو عبد الله، إلى أن الاتحاد يتلقّى يومياً 10 شكاوى «على الأقل»، لافتاً إلى أن هذه الشكاوى «مستمرة منذ عام 2019 ولم تتوقف حتى اليوم». ويلفت عبد الله، إضافة إلى شكاوى الصرف، «شكاوى الموظفين من خفض رواتبهم رغم أنّ معظمهم يعمل بدوام كامل حتى في ظلّ الإقفال بسبب كورونا، إذ أن بعض أصحاب العمل كانوا يجبرون العمال على المداومة رغم أزمة كورونا». كما تحدث عبد الله عن اتجاه «بات عاماً» لدى أصحاب المؤسسات «لتشحيل التقديمات للعمال من بدلات نقل ومعاش العائلة وغيرهما من التقديمات بحجة أن الضمان مش فاتح ومش عم يمشّي معاملات». أما الأسوأ، فهو النهج الذي تحاول إرساءه بعض المؤسسات لناحية حرمان عمالها من الرواتب خلال هذه الفترة «والاستعاضة عن ذلك بالسلف على الراتب. وتأتينا اتصالات من عمال يتقاضون سلفاً بـ100 ألف ليرة أو 50 ألفاً بدل الراتب».
ما يجعل الواقع أكثر قساوة أن الصرف يشمل كل أنواع المؤسسات بلا استثناء، من محال المواد الغذائية إلى معامل البلاط والدهان والسائقين وعمال التوزيع ومعامل الشوكولا والمولات، وفي الفترة الأخيرة من الصيدليات، إذ يلفت إلى «شكاوى كثيرة ترد عن صرف صيدليات للعمال رغم أنها من القطاعات التي لم تقفل يوماً». الخوف اليوم، بالنسبة لعبد الله كما العمال ليس الصرف بحد ذاته أو خفض الرواتب، وإنما ضياع حقوقهم، خصوصاً في ظل عدم تمديد المهل القانونية في مجالس العمل التحكيمية. فمن شأن هذا الأمر أن يؤثر على حقوق العمال المصروفين بتحصيل تعويضات الصرف التعسفي، خصوصاً ما يعنيه ذلك «من سقوط الحق بمضي الوقت».