IMLebanon

وإسرائيل: “وِحْدَةُ ساحاتٍ” أميركية

 

 

بين الولايات المتحدة وإسرائيل زواجٌ تاريخي لا يكونُ طلاقٌ معـه إلاّ بالموت، وحين يقَعُ بينهما اختلافٌ أو تبايـنٌ أوْ جفاف، فهما بذلك ينطبق عليهما ما يُقال عن الزوجينِ الأميركيَّـين: يتشاجران في النهار ويتصالحان في الليل.

 

إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط هي أميركا المصغّرة، بل هي تشكّل «وحدَةَ ساحاتٍ» عسكرية أميركية، وتشكّل مع حلفاء أميركا الأوربيّـين والعرب، وحدَة ساحات سياسية في مواجهة الفتح الفارسي الجارف الذي ملأَ الدنيا وشغل الناس.

 

في مجال المواجهات بالساحات، لا بدَّ للجمهورية الإيرانية من أنْ تزوّد ساحاتها بالعتاد والمال والسلاح، لتعزيز انتشارها والدفاع عن مشروعها في المنطقة، مثلما تزوّد أميركا ساحاتها بالدعم والمال والسلاح، لتعزيز حضورها والدفاع عن وجودها.

 

تاريخياً: لأن الذاكرة الأميركية لا تمتلك المخزون التاريخي الفرنسي – البريطاني في منطقة الشرق الأوسط لجهةِ الواقع العقائدي والديني والشعبي، فقد كانت غالباً ما تقع في مغبَّةِ سواد الرؤية وسوء التقدير.

 

فالولايات المتحدة مثلاً كانت تدعم نهضة الرئيس جمال عبد الناصر بحجّة أنّ التعامل مع رئيس عربي واسع الظلال قـويّ السيطرة ينطـقُ باسم الأمـة، هو أجدى من التعامل مع مجموعة دولٍ تتجاذبها مصالح متضاربة، في ظلّ قيام أنشطةٍ هيّاجة تحت لـواء القومية العربية.

 

ولكنّ الرئيس عبد الناصر، ما لبثَ أن انقلب عليها وسخّر كـلَّ طاقات الأمّـة في مواجهة ذلك الذي إسمه «الإستعمار».

 

والولايات المتحدة، هي التي ساهمت أيضاً في تأمين الغطاء لانتقال الإمام الخميني من فرنسا إلى «إيـران»، إنقلاباً على أحد أعزّ حلفائها: «الشاه محمد رضا بهلوي» بحجَّة محاربة الإتحاد السوفياتي الملحد، بسلاح حكمٍ ديني إسلامي عاصف على الحدود الروسية.

 

ولكنّ الإمام الخميني كان أول ما وجّه سلاحَـهُ العنيف إلى «الشيطان الأكبر».

 

ولست أدري ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تغاضَتْ عن هذا الإنتشار الإيراني الواسع والمسلّح في المنطقة، ما جعل «ايـران» ذات قـوة إقليمية فائقة، وتأثير دولي بارز، ونفوذ راجح في عواصم عربية متعدّدة… ومع هذا، لا تزال أميركا بالنسبة إلى «إيران» وحلفائها هي «الشيطان الأكبر»… وأكثر.

 

باختصار: إنّ هذا الحلف اللّصيق بين أميركا وإسرائيل لم يكن من باب تحقيق المصالح المتبادلة بما يعرف في العلائق الدولية، بل هو حلفُ حياةٍ أوْ مـوت بالنسبة إلى إسرائيل، وهو بالنسبة إلى أميركا وجـودٌ أو عـدم وجـود.

 

بعد هذا الإنحدار الذي حقّقه «طوفان الأقصى» لِعظَمةِ إسرائيل لم يعدْ في وسع إسرائيل أنْ تقول: «من بعدي الطوفان».

 

وبعد هذا الطوفان الإيراني العسكري، الديني في المنطقة، لم يعد في وسع أميركا أن تقول بلسان النبي سليمان: «أَعطني مُلْكاً ليسَ لأحـدٍ بعدي».

 

ولكن، في السياسة كما في الحرب، أيُّ انتصار على حساب مصير الشعوب هو انكسار ساحق، الشعب البريطاني ارتضى قيادة تشرشل في حالة الحرب، وما انتهت الحرب العالمية الثانية حتى تحوَّل إلى قيادة «كليمنت إتلي «Attlee» الأقلّ غطرسةً عسكريةً بهدف السلام.

 

المشكلة في هذه المنطقة في أنّ القيادات التي تحكم الشعوب وتتحكّم بالشعوب هي قياداتُ حربٍ في حالـة الحرب وقياداتُ حربٍ في حالة السلم.

 

وما على الشعوب إلاّ أن تظلَّ ضحيةً مفجوعةً بالمذابح والتشرّد والتدمير والتهجير، وما علينا إلاّ أنْ نردّد معها ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذات يـوم:

إنَّا نفكّرُ بالدنيا على عجلٍ فلا نرى أحداً يبكي على أحدِ