أما وقد انتهت الانتخابات النيابيّة وأفرزت معادلات وكتلاً متنوّعة، فقد آن الأوان لأهل الحلّ والعقد من المسلمين خصوصاً واللبنانيّين عموماً، بأن يدرسوا الأسباب والتداعيات والنتائج التي أفرزتها هذه الانتخابات، نتاج هذا القانون النسبي المشوَّه بالصوت التفضيلي الّذي أعاد اللبنانيّين الى الوراء بإدخالهم مجدّداً في مستنقعات المذهبيّة وكهوف الطائفيّة، حتّى غدت كل طائفة تتلمّس الربح والخسارة بمفردها، وبات كل فريق مذهبي أو طائفي يقف على تلّته لينازع مَن هو على التلّة، أو التلال الأخرى المتعدّدة في هذا الوطن المعذّب بالتفرقة بين أبنائه.
وعندما يكون الحال على هذا المنوال فإنّ المصلحة تقتضي أن تتنبّه القيادات الاسلاميّة وخصوصاً قيادات أهل السنّة والجماعة، وتحذّر من حالات الاختراق الّتي تستهدفها بدورها الوطني وبعدها العربي الأصيل، فأكثريّة نوّاب المسلمين السنّة في مكان، وما تبقّى منهم في أمكنة متعدّدة، والسؤال الّذي يطرحه الرأي العام والمراقب الحريص على الدور الإسلامي: أما آن لنوّاب المسلمين السنّة أن يتلاقوا ويتكاملوا؟ للحفاظ على حقوق المسلمين إسوة بالثنائيّات المتعدّدة هنا وهناك، الّتي بدأت ملامحها تظهر لرسم خريطة لبنان السياسيّة للمرحلة المقبلة؟
وحتماً تكامل نوّاب المسلمين السنّة لا يمكن أن يكون إلّا ذا بعد وطني وعروبي، وهو يحتاج الى قرار جريء يتّخذه رجال كبار بحجم الوطن، وبقامة الأمّة الّتي ينتمون اليها، وهذه الخطوة هي البداية لوحدة الصف الإسلامي بمذاهبه المتعدّدة ليكون جسراً لوحدة اللبنانيين وعيشهم الواحد الّذي وحده الكفيل بصنع ثقافة المواطنة الّتي يطمح اليها اللبنانيّون جميعاً.
لقد سقطت، أو هي على طريق السقوط، الثقافات المذهبيّة والطائفيّة والمناطقيّة، حيث أعاقت هذه الثقافات المشوّهة تقدّم البلاد، ونشرت الفساد، وأنتجت جماعات فاسدة ومفسدة غطاؤها مذهبيّ هنا، وطائفي هناك، ومناطقي هنالك.
وها هي البلاد تئنّ ومعها العباد من الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وهجرة الشباب والشابّات، وتزداد البطالة وتتنامى حالات الإحباط بين اللبنانيّين، والجميع مدعوّون الى إيجاد الحلّ لصُنع المستقبل الواعد، وخيراً فعل الرئيس سعد الحريري المكلّف تأليف الحكومة، بتوجّهه الى حكومة وطنيّة جامعة، لأنّ الوطن يمرّ في ظروف خاصّة واستثنائيّة لمجابهة تحدّيات البناء والنهوض والخروج من الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعمل على تحصين لبنان بالابتعاد عن الحرائق الملتهبة والنزاعات الإقليميّة المتصاعدة، وحكماً الالتصاق والتفاعل مع قضايا الأمّة العربيّة الّتي تتداعى عليها الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
إنّها مناسبة وطنيّة كبرى لتوحيد الصفوف وتجميع القوى وترشيد الإنفاق وإيقاف الفساد، والخروج من عقد (الأنا) والدخول الى رحاب الوطن، وصُنع ثقافة المواطنة لقيام وبناء الدولة الوطنيّة الجامعة، والابتعاد من المحاور الّتي ظاهرها مقاومة وباطنها مقاولة، فالقضيّة الفلسطنيّة هي قضيّة كل العرب، وكل المسلمين، وكل الأحرار، وهي قضيّة إنسانيّة بامتياز، وليست مكاناً للمزايدات أو غطاءً لتمدّد اقليمي عنصري يستخدم فئة من اللبنانيّين في مواجهة اخوانهم أو يقاتلوا الأقطار العربيّة ببعض العرب.
والمسلمون في لبنان وخصوصاً أهل السنّة والجماعة، مطالبون قبل غيرهم بالخروج من هذه الجاذبيّات والمستنقعات، الّتي هي بضاعة صهيونيّة وبعضها فارسي، يستهدف الأرض والعقيدة والهويّة والوجود، فهل نحن مستعدّون لهذه التحدّيات؟ أم أنّنا سنبقى كما هو حالنا غثاء كغثاء السيل؟ أو سراب في صحراء يظنّه الرائي ماءً وما هو بماء.