IMLebanon

تسوية المنبوذين

 

شهر في الشارع، ولا يزال أهل السلطة يديرون الأذن الطرشاء للأصوات الطالعة منه، أي للمواطنين اللبنانيين الذين كانوا يدفعون وما زالوا “تكاليف” فساد الطرشان إلا عن مصالحهم وشهوتهم للسلطة والنفوذ ونهب المال العام.

 

شهر في الشارع مع مطالب واضحة، همها تحقيق خطوات أولية باتجاه بناء دولة والخروج من المزرعة، ولا يزال المتمسكون بالكراسي يعملون على تشكيل حكومة جديدة أشبه بترقيع ثوب بالٍ يلبي شروط تسوية المنبوذين.

 

الأكيد أن اللبنانيين المنتفضين لا يملكون الا هذا الشارع. السلطة الفاسدة لم تترك لهم سواه. والأنكى أداؤها الذي يظهر وكأن السلطة تمنّ عليهم به. فهو برأي القوى السياسية ملكها وليس ملكهم، ولصبرها حدود، فإن لم يغادروه بالحسنى يجنون على أنفسهم، لأنهم باستفزازهم هذه السلطة يدفعونها الى قمعهم. وصدقوها هي لا ترغب بذلك. لكن الأمور تتجاوزها، وعليها الالتزام بالأوامر العليا لمن يرى في ثورة اللبنانيين مؤامرة أميركية تمهد لـ”حرب أهلية”.

 

من هنا يمكن قراءة ما يرافق مشاورات ما قبل التكليف. وكأن الأزمة ليست وليدة ما اقترفت أيدي المتشاورين وفجرت المطالب الشعبية، بل في “الدعسة الناقصة” التي خلخلت التسوية من خلال استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، ليصبح الهدف التضييق على الرجل الذي يبدو انه لم يدرك أن تبعات مشاركته في هذه التسوية ستزجّه في مأزق يستحيل الخروج منه.

 

التطورات المرافقة للمشاورات تذكّر الحريري بأن من وافق على عودته رئيساً للحكومة رغم الـ”ONE WAY TICKET”، لن يتورع عن توجيه ضربة قاضية له لأنه خرج من الصف رغم التحذير بضرورة البقاء. تالياً عليه أن يدفع ثمناً أكبر مما دفعه منذ انخراطه في الشأن العام بعد اغتيال والده. ولا شيء يحول دون إبعاده عن الرئاسة الثالثة إذا لم يمتثل لما يريده من أغرقه في التسوية.

 

أكثر من ذلك، ما يطرح من أسماء لتولي رئاسة الحكومة، ليس أكثر من فخ سيؤدي في النهاية الى استبعاد أي شخصية تدور في فلك خطّه السياسي. وتصبح المطالبة بشخصية سنّية حيادية لتولّي هذا المنصب ضربة معلم. ويبدو ان العمل يسلك هذا السبيل وبحنكة تفوق بكثير قدرة الحريري وفريقه السياسي على اللعب فوق حبال السياسة المحلية والاقليمية والدولية، كما يفعل “حزب الله” ومن خلفه ممن يتحالف معهم.

 

ولعلّ أسماء الذين تمّ استدعاء أصحابها للتحقيق بمسائل الفساد وهدر المال العام، بداية للمستحقات التي ستتوالى تباعاً.

 

فالتسوية هي بيت القصيد ولا شيء سواها. ولا يهم إن نزل أربعة ملايين لبناني الى الشارع او حتى الـ11 مليون “منتشر”. التعليمات واضحة، والمنبوذون صُمٌ بُكْمٌ لا يفقهون إلا تسويتهم ولا يقرأون إلا كتاب محورهم.