اتضح للجميع أن الإنتخابات البلدية والإختيارية التي تمت على الأراضي اللبنانية بكافة مناطقها ومدنها وقراها، قد طاولت الجميع أحزاباً وجماعات وعائلات وزعامات بإزالة الأستار والغشاوات عن العيون، وحققت لدى الجميع وقائع جديدة طويت بها صفحات سابقة، وبات من الأكيد أن أياً من ذوي العلاقة بنتائجها وذيولها والمرتكزات إليها، قد طاولها بما يشبه الزلزال، وخلّف آثاراً لم تعد الكلمات العادية فيه تلعب دور المرهم الشافي والمخفف والملطف، وبات من الواجب الوطني والمصلحي على الجميع أن يُحْكِمَ الطوق الدارس عليها ليستنتج منها حقيقة الوقائع والأسباب والنتائج التي كان بعضها شديد الدوّي والأثر.
الثنائي المسيحي الذي وحّد ضمن صفوفه، كلّا من التيار العوني والقوات اللبنانية، والثنائي الشيعي المعروف فضلا عن الزعامات التي تآلفت خاصة في كل من بيروت وطرابلس، وفضلا عن الزعامة الجنبلاطية الدرزية وتفرعاتها، جميعهم أصبحوا في صميم الهّم الواحد الذي اذا ما جُمِعت أطرافه بكافة انتماءاتها واتجاهاتها لتوصلت إلى نتيجة قاسية ومخيفة، مفادها أن الشعب اللبناني بأسره قد أصبح متأهباً لأن يكون على ضفاف الرفض بل في صلبه، وأن الأجواء العامة لدى الجميع تنذر بأن الغد القادم، يحمل في طياته مضامين اجتماعية وسياسية، لئن لم تتكاتف الجهات الممسكة بزمام أمور اليوم في معالجتها، فإننا جميعا كلبنانيين مهددون بأن تؤدي إلى إفلات زمام الأمور من أيادي الجميع، وأن ينطلق كل يغني على موّاله وليلاه، وما أفدح الأثمان التي ستستقر النتائج عليها إن تدافعت الثنائيات والثلاثيات والعائلات والجهات المختلفة إلى صدام ما، كأئناً ما كان سببه المباشر وأثره البليغ وآنذاك… لن تكون إقامة أي مْندَبٍ ملطّفة للمصيبة، ولا تلاوة لأي فعل ندامة، مزيلا للكوارث والجراح.
الإنذار الكبير أطلقه المواطنون وأطلقه الوطن، ولئن بدأنا في هذا المجال من منطلق الجمهور السني، فإننا نلمس مما نراه ونسمعه من القيادة السنية الأساسية المتمثلة بالشيخ سعد الحريري، موقعا وموقفا أقرب ما يكون من سواه إلى موقف التفهم والاستيعاب وإطلاق بعض حسن الإستنتاجات والمواقف المبدئية منذ الآن، والتي تدل على أن هناك انفتاحا أمام معالجات مقبلة على مستوى تيار المستقبل بكل مواقعه وجهاته المسؤولة، مع تهيؤ واستعداد إلى معالجة ما، يمكن تحقيق إصلاح ما لكميات الخلل الواسعة أطلت فجأة وبرزت في أجهزته القيادية والإدارية والتنظيمية، وهو خلل وصل من بعض المواقع إلى حدود مؤسفة، ويبدو أن «القائد العام» الذي غاب عن لبنان قرابة الأعوام الأربعة لأسباب أمنية معروفة، قد غُيّب عن الكثير من أخبارها وأوضاعها المتنوعة، ولا شك أن الكثير منها هو مأخذ مشترك لدى جميع الفئات والجهات، ولكن المختلف أن مقاليد القيادة السنية العامة ومرجعها الأساسي، هو رجل متمتع بالسمعة الطيبة ونظافة الكف والفكر والتصرف، واذ يشكو البعض من خلال ما اتخذوه من مواقف واضحة في الانتخابات البلدية، فهي شكاوى بعيدة عن شخصه وزعامته، ومرتبطة بكثيرين ممن امتطوا صهوة التيار ولوّحوا بسيفه وبمواقفه، وإنطلقوا منه إلى أماكن مسيئة ومؤذية أدّت إلى ما أدت إليه من نتائج تبين في الغالب، أنها غير مرضية وغير مطمئنة.
عقلاء كثيرون من الطائفة السنية أدركوا حجم الجهود المطلوبة لإصلاح الأوضاع وإعادة قولبتها في الأطر السليمة وفي طليعة هؤلاء الشيخ سعد نفسه، بل ومن خلال ما نقرأه ونراه في الإعلام فإن اللواء ريفي وغيره من ذوي الآراء المتخمّرة في الرؤوس الحامية، ليسوا بعيدين عن التقدم خطوات ملموسة نحو المواقع الإنقاذية الحكيمة، ومعظم التواصلات الحاصلة تصب على أن الوضع السني ما زال مرتبطا بقوة بالحريرية السياسية ومبادئها ومناهجها العملية، وأن الشيخ سعد هو الممثل الأمثل لتلك الوضعية التي اشتدت من حولها وفي صلبها صنوف من التهجمات والمواقف البعيدة عن البراءة رغم أن القاصي والداني يعلم علم اليقين أن النهج المستمر لتيار المستقبل هو النهج الأكثر اعتدالا ووطنية وحكمة وارتباطا بأسس لبنان الواحد والوحدة الوطنية الشاملة غير القابلة للتجزئة والتقاسم بأية صيغة تطرح لهذه الغاية من قريب أو من بعيد، الأمر الذي يدفعنا جميعا إلى أخذ الوقائع الثابتة والمستقرة، من منطلقاتها الواقعية والسليمة، وتلمُّس المخاطر التي يمرّ بها لبنان في مراحله الحالية والمنبثقة جميعا من مراحل أشدّ خطورةً وبلاءً واهراق دماء تمر بها المناطق العربية عموما من أقصى مشارقها إلى أقصى المغارب. وعليه، لا بد في أية حلول مقبلة تُجْمِعُ عليها الكلمة والموقف، أن يؤخذ في الإعتبار أمران مستقيان من موقعي الخلل الحاصل: لا بد من الإعتراف أولا بأن الأوضاع الوطنية والداخلية بحاجة إلى مزيد من العزم والحزم والصرامة في المعالجة، وهذا الأمر يرى كثيرون أنه يكاد أن يكون محارباً عن قصد، خاصة في المرحلة التي غاب فيها الشيخ سعد عن لبنان، مع التأكيد على جملة المواقف الحكيمة والسليمة التي يفترضها تأمين حد أدنى من سلامة الأوضاع التي تحفظ للبنانيين سلامة بلادهم وأبنائهم من أخطار المنطقة والجوار، كما لا بد من الإعتراف بأن هناك أمورا لم تعد مقبولة من فئات شعبية واسعة الإمتداد، بعضها عامة تطاول اللبنانيين جميعا وفي مقدمتها الأسباب الإقتصادية والمعيشية المتدهورة، وبعضها سياسية دفع الكثيرون اثماناً باهظة لها وفي طليعتهم شهداء الوطن، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري دون أن ندخل في تفاصيلها ذات العلاقة بغزوات بعض اللبنانيين وذهابهم الإحترابي بعيداً إلى السعودية واليمن والبحرين فضلا عن فعالهم القتالية القريبة في كل من سوريا والعراق، ودون أن نتطرق إلى «أفضال» النظام السوري على لبنان السابق ولبنان الحالي ومدى ما ألحقه به من مآسي ومصائب ما زالت كوامنها تظهر للعيان من وقت إلى وقت، وإلى «أفضال» بعض الأجهزة المحلية المسيّرة بالرموت كونترول والتي تعاملت مع بعض اللبنانيين على أساسٍ من التفرقة التي أدت إلى جملة من المشاكل والأزمات التي لا نزال نعاني منها جميعا حتى الآن.
لبنان، شئنا أم ابينا بات على أبواب انتخابات نيابية مقبلة في العام 2017، ويبدو أن اللبنانيين جميعا يرفضون بشدة وحزم أي تمديد لمجلسه الحالي، وكذلك أي تأخير لانتخاباتٍ مقبلة لمجلس جديد. من هذا المنطلق، نأمل أن تكون حسابات الجميع صائبة في هذا الاتجاه، لأن نتائج أية انتخابات نيابية غير سوّية وغير سليمة ستكون أضرارها أضعاف أضعاف ما شهدناه من خلال الإنتخابات البلدية والإختيارية، هو جرس الإنذار الذي ما زال يرن في آذاننا جميعا، عسى أن يكون سمعنا حاداً على قدر جدية المخاطر المقبلة، والتي ستثبت أن الإنتخابات النيابة في العام 2017، هي المقياس الحقيقي والمفصل القاطع وأن معالجاتها الضرورية لا بد وأن يُبْدأ بها منذ الآن، وبكثير من الحكمة والجدية والتصميم.