تتخذ المواجهة الأميركية ــ الغربية مع إيران منحى تصعيدياً، وهذا التصعيد يسلك مسارات مختلفة، تبدأ بتزخيم الضغط العسكري عبر تزايد الحشود الأميركية في الخليج، والتحاق بريطانيا بالمشروع الأميركي يعززه فوز بوريس جونسون برئاسة الحكومة البريطانية، وهو الذي يتماهى كليّاً مع خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في «تأديب ايران»، لكنّ الجانب الأكثر وضوحاً في هذه المواجهة، يكمن في التضييق غير المسبوق على حلفاء ايران بدءاً من حزب الله في لبنان، الى الحشد الشعبي في العراق وصولاً الى «أنصار الله» في اليمن.
وينال لبنان القسط الأوفر من التداعيات السلبية لـ «الحرب البردة» على طهران، عبر التصويب الأميركي المباشر والمتلاحق على حزب الله ومن خلاله على الدولة اللبنانية، ويتجلّى ذلك في سلسلة العقوبات التي تستهدف قيادات الحزب السياسيين ونوابه والمتمولين القريبين منه، ولا تنتهي بالتهديدات العسكرية الإسرائيلية التي جاءت على لسان سفير تل أبيب في الأمم المتحدة، وزعمه بأن الموانئ اللبنانية بدءاً من مرفأ بيروت الى المطار ونقطة المصنع باتت منافذ لأسلحة الحزب، لكن مصادر مقرّبة من مواقع صنع القرار في واشنطن، كشفت عن «سلّة من عقوبات جديدة تتهيّأ وزارة الخزانة الأميركية لفرضها، لا تستهدف الحزب وحده، بل بعض حلفائه السياسيين، وشركات ومؤسسات تجارية يملكها هؤلاء الحلفاء، ضمن سياسية الضغط المستمر، للفصل بين الدولة والحزب».
وتؤكد المصادر أن الأميركيين «يمارسون في هذه المرحلة مع لبنان سياسة العصا والجزرة، إذ انه في موازاة الضغوط على الحزب، تحاول إدارة ترامب منح الحكومة اللبنانية ورقة سياسية مهمّة تتمثل بترسيم الحدود البرية والبحرية، ووضع ملفّ مزارع شبعا المحتلة من قبل «إسرائيل» على طاولة مفاوضات غير مباشرة، وقد تصل لاحقاً إلى إقناع تل أبيب بالانسحاب منها، إذا حصلت الأمم المتحدة على وثيقة سورية تثبت أن هذه المزارع لبنانية، وذلك بهدفين الأول نزع الشرعية الشعبية عن سلاح الحزب، وإسقاط صفقة السلاح المقاوم عنه، لانتفاء أسباب بقائه، والثاني إخراجه من معادلة المواجهة اللبنانية – الإسرائيلية».
ولا تقتصر الضغوط على الجوانب السياسية والعسكرية والمالية على حزب الله فحسب، بل تسعى الى تطويقه قضائياً، وتربط المصادر المقرّبة من دائرة صنع القرار الأميركي، بين هذا التطويق السياسي والمالي وحتى العسكري، وبين المعلومات التي سرّبت حديثاً من لاهاي، وتفيد عن قرب صدور قرارات اتهامية جديدة في قضايا اغتيال جورج حاوي ومحاولتي اغتيال الوزيرين مروان حمادة والياس المرّ، والتي تتحدث عن استكمال المعطيات لتوجيه اتهام الى عناصر من حزب الله، ويتزامن صدور هذه القرارات مع موعد الحكم بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي تتحضّر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لإعلانه في الخريف، ويقضي بإدانة أربعة من عناصر جهاز أمن حزب الله، مشيرة إلى أن «ما يثبت صحة هذه المعطيات، الزيارات المتكررة لرئيسة المحكمة الدولية ومساعديها، ومكتب المدعي العام وجسّ النبض حيال التداعيات التي سيتركها صدور الحكم على الساحة اللبنانية».
لا يمكن فصل هذه الضغوط عن محاولة استدراج ايران وحلفائها الى مواجهة يختارها الأميركيون والإسرائيليون، بدليل التحرشات الإسرائيلية بقصف مواقع عسكرية في الداخل السوري، والزعم أنها استهدفت مواقع عسكرية لإيران وحزب الله ومحاولة جرّ الحزب الى حرب لن يسمح الأخير للإسرائيلي باختيار زمانها ومكانها، بقدر ما تمتلك المقاومة عناصر صنعها ليكون الانتصار حليفها، ولتكون المعركة على أرض يختارها حزب الله وليس «الإسرائيلي» وتكون ساحتها على أرض فلسطين المحتلّة، وليست في أرض الآخرين كما كانت الحروب الإسرائيلية السابقة.
المؤشرات التي يرصدها المراقبون، ليست بعيدة عمّا يحصل في أماكن أخرى، حيث توقف المراقبون عند القرار القضائي الذي برّأ قائد عمليات الأنبار محمود الفلاحي، من تهمة تسريب معلومات عن الحشد الشعبي في الأنبار الى الـ CIA، رغم الأدلة الثابتة، وهو ما أثار غضب حزب الله العراقي الذي وجّه رسالة احتجاج الى رئيس الحكومة، ورأى فيه استهدافاً جديداً له ولدوره، وهذا يمكن عطفه على التبدّل في موقف مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث، وانعكاساته على الوضع في الحديدة». ويشدد المراقبون على أن الضغوط على حزب الله في لبنان، لا تنفصل عن التدخل الأميركي ــ الأوروبي في الخليج، والذي قد يفجّر ساحات أخرى، ربما تكون الساحة اللبنانية واحدة منها». لكنهم رأوا أن هذا التصعيد يتلاقى مع اتهامات سفير «اسرائيل» في الأمم المتحدة، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أن حزب الله لا يلتزم بالقرار 1701، يؤشر الى خطر ما، وإذا كان هذا الخطر لا يعني ضربة عسكرية وشيكة، فإن كلّ الاحتمالات تبقى مفتوحة، وعلى لبنان أن يبقى متأهباً لأي تطوّر مفاجئ».