تمضي الادارة الاميركية برئاسة الرئيس دونالد ترامب في سياستها تعميق العداء للحقوق الفلسطينية والعربية والاسلامية عموماً والمسيحية في القدس المحتلة، وقد صعّدت من حدة التوتر مع اصرار الرئيس ترامب على تحدي التنديد والرفض العربيين والدوليين في شأن قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (اليهودية) ونقل السفارة الاميركية اليها.. في ايار المقبل، على ما توقع غير مسؤول أميركي، وهو تاريخ يتقاطع مع ذكرى اغتصاب فلسطين 14 ايار 1948.
لم يمر، ولن يمر القرار الاميركي من دون تداعيات بالغة الخطورة على الامن والاستقرار في المنطقة عموماً.. والانتفاضة الفلسطينية الرافضة هذا القرار وهذا التوجه ماضية على الرغم من الانكفاءة العربية اللافتة عن هذه المسألة البالغة الأهمية.. خصوصاً وان هذا القرار في نظر العديد من دول المنطقة والعالم، يتجاهل الحقوق التاريخية للفلسطينيين، كما ويتجاهل قرارات الامم المتحدة، ومنظمة التعاون الاسلامي ويبعث على القلق، ويظهر مدى ما راحت اليه الادارة الاميركية في الاضرار بكل مقومات السلام والاستقرار في المنطقة..
سارعت تل أبيب الى الترحيب بالقرار الاميركي ورأت فيه «أفضل هدية للاسرائيليين..» فيما حذرت السلطة الفلسطينية من «مناخات سلبية» تقوض السلام والاستقرار في المنطقة بكاملها.. خصوصاً وأنها «خطوة احادية الجانب، لا تساهم في تحقيق السلام ولا تعطي شرعية لأحد.. على ما قال امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات.. مؤكداً ان هذا القرار امعان في تدمير خيار الدولتين (الفلسطينية والاسرائيلية) اضافة الى استفزاز مشاعر العرب والمسلمين..»
قد لا يكون من باب الصدف، ان يتكرر الموقف الاميركي هذا، على خطاب الرئيس محمود عباس أمام مجلس الامن الدولي قبل أيام، الذي شكل على ما يرى البعض من القيادات الفلسطينية «مفتاح السلام الجدي والوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم..»؟!
من اسف، أن القرار الاميركي، لم يلق ما يستحق من ردود عربية رافضة، والدول العربية، في غالبيتها الساحقة منشغلة في «حروبها ضد «الارهاب» ومواجهته، كما وفي مواجهة تحديات ومخاطر من امكنة أخرى، خصوصاً من ايران التي باتت في نظر البعض «الخطر الأوحد..» على ما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في كلمة أمام «معهد ايغمونت» (بروكسل) على هامش «المؤتمر الدولي لدول الساحل..».
تتسع دائرة العداء الاميركي للحقوق الفلسطينية والعربية عموماً، ولم يكن لبنان بمنأى عن هذه السلوكية، التي تمثلت في الانحياز الاميركي اللافت للمطامع الاسرائيلية في الثروات النفطية والغازية ضمن الحدود الاقليمية اللبنانية البحرية والبرية.. وما حكي عن تسوية أميركية لم يكن في الواقع سوى صيغة تجميلية لسياسة نهب ثروات لبنان النفطية والغازية.. وليس على ألسنة القيادات الاميركية سوى تصعيد الحملة على» «حزب الله»، حيث «من المستحيل ان نتحدث عن الاستقرار والسيادة والامن في لبنان من دون معالجة مسألة حزب الله، على ما قال وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون في ختام زيارته الاخيرة لبيروت الخميس الماضي، معتبراً ان «على الشعب اللبناني ان يشعر بقلق تجاه تصرفات «حزب الله» التي تجذب انتباها سلبياً نحو لبنان..».
لم تكن الحكومة اللبنانية بحاجة الى النصائح الاميركية التزام سياسة النأي بالنفس، وهي التي أخذت هذا القرار باجماع مكوناتها.. لكن النأي بالنفس لا يعني ادارة الظهر للاطماع الاسرائيلية في الارض والمياه والثروات اللبنانية.. وقد أكد المسؤولون اللبنانيون ان لبنان لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول.. لكنه غير مسؤول عما يحدث من تدخلات من خارجه..
لم يأبه تيلرسون الى المواقف اللبنانية التي أجمعت على رفض التهديدات والادعاءات الاسرائيلية، بملكية اجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية..» حيث دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المسؤول الاميركي الى «لعب دور فاعل في هذا المجال» مؤكداً التزام لبنان الهدوء على حدوده الجنوبية، ومشدداً على ان لبنان «لا يريد الحرب مع أحد، في حين ان إسرائيل تواصل اعتداءاتها..» وحين سئل تيلرسون بعد لقائه الرئيس سعد الحريري عن الضمانات التي سيحصل عليها لبنان بأن إسرائيل ستحترم الحل قال: «الولايات المتحدة ليست في موقف يمكن ان تضمن فيه أي شيء لدولة سيادية أخرى..»؟!
لم يكن غريباً ان ينظر العديد من الافرقاء اللبنانيين الى السياسة الاميركية على أنها «سياسة عدائية وعلى كل المستويات.. وفي رأي البعض ان آخر من يحق له الحديث عن الحقوق والواجبات هي الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل.. وقد كان العنوان الرئيسي للمسؤول الاميركي التحريض والتعبئة ضد كل من يضع خطا احمر في وجه الاطماع الاسرائيلية المتمادية وهو يضع اللبنانيين أمام خيارين: إما التخلي عن جزء بالغ الأهمية من حقوقهم بأرضهم ومياههم وثرواتهم الدفينة في البر والبحر او التخلي عن حقهم في مقاومة هذه الاطماع والتهديدات والتعديات، وهو (أي لبنان) في غير وارد التخلي عن الاثنين..
تقضم «إسرائيل» القدس، ويتعزز ذلك بمباركة أميركية – وشعب فلسطين يرفض ويستعد لمقاومة أوسع.. وتضغط أميركا على لبنان لتلبية اطماع إسرائيل في الثروات اللبنانية، ولبنان مجمع على عدم السماح لاسرائيل بأن تتخطى الحدود، «لأن هناك قراراً لبنانياً بالدفاع عن هذه الحقوق وهذه الثروات براً وبحراً و»لا يمكن ان نتخلى عن حبة تراب في البر ولا نقطة مياه في البحر..» على ما أبلغ الرئيس نبيه بري «الوسيط» الاميركي ديفيد ساترفيلد.. وان كان لبنان يتعرض لهجمة سياسية وديبلوماسية واعلامية غير مسبوقة تصب في خدمة الطرح الاميركي – الاسرائيلية حول الحدود البرية والبحرية..