كان لبنان أشبه برجل لا يفتأ يضع يده على قلبه خوفاً على أمنه، صار ينقّل يديه على قلبه ورأسه وجيبه، خشية على مؤسساته المالية أيضاً رغم اتباعها منتهى الدقة لإمرار مرحلة حساسة آتية هذا الشهر.
أواخر نيسان الجاري يبدأ تطبيق قانون العقوبات الأميركي على المصارف التي تتعامل مع”حزب الله”، بمرور مهلة 120 يوماً أعطاها الكونغرس للرئيس باراك أوباما كي يقدم تقريراً دورياً عن عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع “حزب الله”، أو تساهم في غسل أمواله.
في سبق مع الوقت أنجزت المصارف اللبنانية كافة الورشة الضخمة بالتعاون مع مصرف لبنان المركزي، دققت خلالها في حسابات عملائها وراجعت ملفات كل من يمكن أن يتسبب لها ليس بوجع للرأس، بل حتى للإضطرار إلى الرد على سؤال بالإنكليزية من أجل إثبات تجاوبها التام مع قانون العقوبات الأميركي هذا. وأشرف على العملية الضخمة في بعض المصارف رؤساء مجلس الإدارة والمديرون الكبار بأنفسهم مدركين أن أقل خطأ يمكن أن يقودهم إلى كارثة، متذكرين على الدوام أمثولة “البنك اللبناني الكندي” . كان خامس المصارف اللبنانية قوة، وكانت سطور قليلة مررتها وزارة الخزانة الأميركية كافية لتصفيته.
سبقت ورشة التدقيق الضخمة التي لم تترك وديعة أو حساباً من غير تدقيق سلسلة الزيارات التي قام بها لواشنطن وفد جمعية أصحاب المصارف برئاسة الدكتور جوزف طربيه، والوفد النيابي برئاسة النائب والوزير السابق ياسين جابر وأيضاً وزير المال علي حسن خليل، الزائرون جميعاً أكدوا التزام المؤسسات المالية اللبنانية المعايير والقوانين الدولية، لكن ثمة ناحية أخرى ذات طابع سياسي: حاجة لبنان الملحة إلى المرونة في تطبيق القانون الأميركي، مراعاةً لوضعه بوجود “حزب الله” فيه ، وإلا فإنه قد يكون أمام تعريض وحدته واستقراره الأمني للخطر.
لم تلق هذه المطالبة تجاوباً في واشنطن أو وعداً بالتجاوب بحسب المعلومات المتقاطعة عن الزيارات. وسيظل هذا الموضوع مقلقاً. فقد تأكدت المصارف امتثالها للوائح التي تسلمتها عن الأشخاص أو المؤسسات التي يتوجب عدم التعامل معها، ولكن ماذا عن اللوائح الدورية التي سوف تتسلمها؟
حاول “حزب الله” أن يرفع الحرج عن المصارف بإعلان أمينه العام السيد حسن نصرالله أن حزبه لا يملك حسابات مصرفية وليست له مؤسسات تجارية بل يتعامل نقداً في المسائل المالية. ولكن الإدارة الأميركية قد لا يهمها هذا الحرج إذا توسعت في فرض محظوراتها ، من حسابات القادة والوزراء والنواب والمسؤولين في “حزب الله” إلى المتعاملين مع مؤسسات تمت إليه بصلة، المذكور منها في القانون الاميركي قناة “المنار”. ستكون ضجة كبيرة في لبنان إذا وقع الحظر على أسماء وسائل إعلام أخرى تمت إلى الحزب بصلة ما في شكل أو في آخر، وأيضاً ثمة شركات ومؤسسات كبيرة طبية وتجارية معروف عن أصحابها أنهم منتمون إلى الحزب، مؤيدون له على الأقل أو تتبع ملكياتهم جمعيات دينية وغير دينية تدور في فلك “حزب الله” . ماذا يمكن المؤسسات المالية أن تفعل إذا طلبت السلطات الأميركية المعنية منع التعامل معها مالياً وغلق حساباتها؟
لن يكون أمامها سوى الإمتثال تحت طائلة دفع ثمن لا تستطيع تحمله والإستمرار إذا خالفت، وحتى لو غضب “حزب الله”. الأرجح في هذه الأحوال أن تنشط في السوق اللبنانية أعمال البيع والشراء، الدفع والقبض نقداً، لكن هذه العمليات تعتبر غسل أموال وجريمة يعاقب عليها القانون، وسبق أن روّضت السلطات والقوانين قطاع الصيرفة وتحويل الأموال الذي كان يمكنه الحلول جزئياً محل المصارف في بعض العمليات. حتى تحويل 10 دولارات من غير إجراءات احترازية لم يعد متاحاً. كل دولار في هذه البلاد صار تحت المجهر. الله يساعد اللبنانيين.