بعد الكلام عن وقوف حزب الله إلى جانب مطالب تكتل التغيير والإصلاح، هل يمكن أن يضمن الحزب بعدم التمديد لقائد الجيش الإتيان بخلف له، أم يكون الفراغ العسكري معبراً إلى رئاسة الجمهورية؟
بعد أشهر من الترقب، بدا موقف حزب الله أقرب ما يكون إلى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، في مقاربة الأخير لملف التعيينات الأمنية. وباجتماع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وعون، أخيراً، اتفق الطرفان على وقوف الحزب إلى جانب عون في مطالبه. لكن هل جاء الاتفاق شاملاً أم لا؟
بحسب مصادر سياسية مطلعة، ثمة جملة نقاط يجب التوقف عندها. الأولى تتمثل في عقد اللقاء في حد ذاته. إذ يقضي العرف السياسي بأن يعقد اجتماع على هذا المستوى، بعد الاتفاق المسبق على عدم الاختلاف، وإلا لما كان قد انعقد. نظراً إلى مترتبات الخلاف بين هذين الطرفين تحديداً في هذه المرحلة، ولا سيما أن أوساط عون هي التي أعلنت أكثر من مرة النية بعقد الاجتماع، قبل نحو أسبوعين من حصوله، إثر تصعيد عون اللهجة في وجه حلفائه، ما يعني أن جزءاً من أسباب الخلاف ذُلّلت.
النقطة الثانية، لم يكن الحزب ميالاً إلى التفريط بالعلاقة مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، في وقت حساس أمنياً، داخلياً وإقليمياً. لكن هذا الموقف تضعضع بعدما رفع عون سقف مطالبه أمام حلفائه في ملفي التعيينات الأمنية والجلسة التشريعية. حتى الآن، اختار الحزب قهوجي في أكثر من محطة. لكن اليوم ثمة اتجاه، عند المفاضلة بين عون وقهوجي، نحو الوقوف إلى جانب مطالب عون. والأسباب الواقعية تتصل بنظرة الحزب حالياً إلى موقع عون في التركيبة الداخلية وحاجته إليه كطرف مسيحي له حيثيته في المعارك المتعددة الاتجاهات التي يخوضها داخلياً وإقليمياً. إذ تختلف ظروف الحزب اليوم ووضع الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي عن المرحلة التي ماشى فيها الحزب التمديد الأول لقهوجي، وميله آنذاك إلى عدم مسايرة عون في التمديدين لقائد الجيش ولمجلس النواب. وتقتضي الظروف الآن عدم التخلي عن حليف مسيحي قادر على تغطية الحزب داخلياً وعدم خربطته الوضع والتشويش عليه، خصوصاً في ظل استحقاقات أمنية إقليمية داهمة وفي فترة حساسة ومصيرية لبنانياً وسورياً. علماً بأن لهجة عون الأخيرة وإنذاراته المبطنة والصريحة كانت تعبّر حقيقة عما كان يدور في أروقة النقاشات الداخلية للتكتل والتيار، بأن لا قبول مطلقاً بالتمديد لقهوجي مهما كانت الأسباب الموجبة والأثمان التي تدفع.
هل تبنّى الحزب كل مطالب حليفه وتخطى انحيازه الى التمديد بدلاً من الفراغ؟
من أجل ذلك، انحاز الحزب اليوم إلى مطالب عون. لكن، هل تبنّى كل مطالب حليفه وتخطى انحيازه إلى التمديد بدلاً من الفراغ؟
يكمن الجواب عن هذا السؤال في جملة معطيات:
أولاً، هناك مواعيد ضاغطة تتعلق بانتهاء خدمات الضباط المعنيين من المدير العام لقوى الأمن الداخلي (لكونه الأكثر إلحاحاً لاقتراب موعد انتهاء ولايته) وقائد الجيش ورئيس الأركان ومدير المخابرات، لإقرار التعيينات الأمنية كسلّة واحدة، تفترض التعجيل باتخاذ قرارات سريعة. لكن حتى الآن لم تصبح السلة الكاملة جاهزة، ما يعني أن الأمور بحاجة إلى مزيد من الوقت لبلورتها، وخصوصاً أن ثمة من طرح إمكان التمديد لقائد الجيش مدة ستة أشهر فقط، من دون أن يلقى الاقتراح حتى الآن تجاوباً من المعنيين. في المقابل، لا يمكن الحزب أن يتعهد بتحقيق مطلب عون تعيين مرشحه أياً كان اسمه، العميد شامل روكز أو غيره، في قيادة الجيش. كل ما يمكن الحزب أن يقدمه اليوم، الوقوف معه في رفض التمديد لقهوجي. وبذلك يكون جزء من التسوية قد تم لمصلحة عون، بتقاعد قهوجي وعدم بقائه على لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، من دون أن يضمن عون لا قيادة الجيش ولا رئاسة الجمهورية. فتعيين قائد جديد من مهمة مجلس الوزراء كما قال عون بنفسه، ولا شيء يوحي، حتى الآن، باحتمال اتفاق الحكومة حتى على مجرد القبول بتعيين قائد جديد للجيش وليس فقط الاتفاق على اسم المرشح، ولا سيما بعد ما نقلته مصادر مطلعة من أن الرئيس سعد الحريري سحب أمام أحد المراجع الأساسية تعهده لعون بدعم روكز، وأن شريحة واسعة من مسؤولي تيار المستقبل ترفض في صالوناتها السياسية خيار القبول بمرشح عون، شأنها شأن وزراء 14 آذار والمستقلين. فيما لم يظهر بعد منحى الرئيس نبيه بري في ضوء خلافه مع عون حول الجلسة التشريعية (رغم أن الترجيحات تتحدث عن رفضه هذا الترشيح)، واحتمال وقوف النائب وليد جنبلاط إلى جانب بري في معركة قيادة الجيش. علماً بأن لائحة أسماء ضباط مرشحين لقيادة الجيش أصبحت مجدداً قيد التداول.
ثانياً، أصبح ملف قوى الأمن وقيادة الجيش مرتبطين، وحتى الآن لا يمكن القول إن التمديد سيسري على إحدى المؤسستين من دون الثانية مهما كانت الاعتبارات. بالنسبة إلى الجيش، إن أي رفض للتمديد، من دون الاتفاق على قائد جديد للجيش، سيضع مصير المؤسسة العسكرية على بساط البحث. لأن العميد حسن ياسين، لأنه الأقدم رتبة، سيتسلم مهمات قيادة الجيش من أيلول حتى شباط عام 2016 ليأتي بعده العميد مارون حتي الذي تنتهي خدمته في آب عام 2016. (وليس العميد عماد القعقور الذي يتقاعد قبل قهوجي ولا اللواء محمد خير التابع لرئاسة الحكومة وليس لقيادة الجيش، ولن يقبل أي طرف التمديد له في آب المقبل أسوة برفض التمديد لغيره). لكن هذا يعني أن من سيتولى مهمات قيادة الجيش سيتولاها من دون المجلس العسكري، ليصبح وضع المؤسسة في هذه المرحلة الدقيقة أكثر عرضة للاهتزاز. وهذا الأمر هو الأكثر بحثاً حالياً في رسم خريطة الحلول تمديداً أو تعييناً.
ثالثاً، يلمّح أحد السياسيين المعنيين إلى ارتفاع أسهم عدم التمديد وعدم تعيين قائد جديد للجيش حتى الآن، ما يمكن أن يرتد، على سلبياته، إيجاباً على موقف القوى المسيحية، خصوصاً التي التقت اليوم على معارضة الجلسة التشريعية، والسياسية عموماً بعد تخطي الشغور الرئاسي مدة السنة. واحتمال الوصول إلى خيار عدم التمديد لقائد الجيش، من شأنه أن يحدث صدمة ثانية على مستوى الفراغ في أعلى منصبين مسيحيين، فتضغط الدول المعنية إقليمياً ودولياً من أجل أن يصار إلى التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، ليصار بعدها إلى رزمة حل شاملة للمؤسسات الأمنية، وعلى رأسها قيادة الجيش