IMLebanon

الضغائن اللبنانية والرئاسة وقيادة الجيش

 

تمنيات بعض الأوساط الدبلوماسية الأجنبية وبعض القوى السياسية المحلية استدراكاً من الفرقاء اللبنانيين للفراغ المعمّم الذي يتحكم بالمؤسسات في البلد، سواء بالتفاهم على مواجهة تصاعد المخاطر من ضم لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية أو باستباق الفراغ في المؤسسة العسكرية بإحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى التقاعد بعد شهرين، تبدو صعبة التحقيق بالنسبة إلى مراقبي المنحى الذي يسيطر على الحلبة السياسية الداخلية، بل أقرب إلى المعجزة.

 

في ما يخص الرئاسة سبق لمصدر دبلوماسي فرنسي رفيع أن تحدث عن إمكان تحرك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان نحو بيروت لهذا الغرض. قال المصدر نفسه «إنّه الوقت للسعي إلى انتخاب رئيس. فلبنان سيتلقى ضربة من إسرائيل من دون شك، إذا لم تتغير المعطيات التي نملكها عن النوايا الإسرائيلية. والمشكلة ستكون كيف سنتمكن من مساعدة لبنان بعدها. ليس هناك رئيس ولا حكومة (كاملة الصلاحية)».

 

يستغرب المصدر أجوبة فرقاء لبنانيين على الإلحاح المتجدد في شأن ملء الفراغ الرئاسي: «حين نتحدث إلى اللبنانيين يقولون لماذا تريدون رئيساً؟ ونحن نقول لهم إذا أنتم لا تريدون رئيساً فهذا شأنكم، لكن لا يقولنّ أحد لنا بأننا نهمل لبنان أو نتخلى عنه، فيما البلد على حافة الهاوية. يكفي وضع الجيش، فكيف ستدار المؤسسة العسكرية وليس هناك قائد لها بعد فترة على الرغم من أن العماد جوزاف عون يقوم بما في وسعه؟».

 

يجزم المصدر الفرنسي بأنه «سيكون البلد بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وليس هناك قيادة جيش ولا رئاسة جمهورية. تقنياً قولوا لنا كيف علينا أن نتعاطى ولمن نسلم أي مساعدات قد نقدمها؟ إذا تمت الدعوة إلى مؤتمر لدعم لبنان إلى من يجب أن نوجهها؟».

 

يؤشر الكلام الفرنسي إلى أنّ هناك تلاقياً من الدول الغربية المعنية بلبنان ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، على تفادي الفراغ في المؤسسة العسكرية على الأقل. وهذا ما تدل إليه التسريبات عن النصيحة الأميركية بعدم ترك الجيش بلا قيادة بالتمديد للقائد. الجانب الأميركي يعتبر، كما تنقل عنه مصادر سياسية بارزة، أنّ التمديد للعماد عون هو أسهل الحلول وأقصرها، خصوصاً أنّ «حزب الله» سبق أن تعاطى مع العماد عون عن قرب.

 

ذهاب الجانب الفرنسي إلى جس النبض مع بعض الفرقاء حول تجديد الجهود لأجل انتخاب رئيس للجمهورية هو من أجل تمكين البلد من أن يواجه تداعيات الحرب. تقديرات العواصم الكبرى أن هذه الحرب طويلة وبالتالي توجب حفظ قدرة مؤسسة الجيش على ضبط الوضع.

 

ترى مصادر نيابية أنّه بصرف النظر عن إيجاد المخارج عن طريق البرلمان أو وفقاً لقرار من الحكومة بتعيين قائد جديد أو رئيس للأركان يتسلم صلاحيات القيادة، فإنّ الضغط الداخلي والدولي في شأن تفادي الفراغ في الجيش قد عظّم مسألة الفراغ في الرئاسة بدوره. فالفراغ في المؤسستين المارونيتين الرئيسيتين لا يحتمل لا في الوسط الماروني، ولا في المجتمع الدولي. لكن المشكلة أنّ الاعتبارات الشخصية لا يجوز أن يكون لها مكان في هذه الظروف ويجب ألا تلعب دوراً في التعاطي مع مسألة قيادة الجيش. التخلي عن هذه الاعتبارات مطلوب من القيادات كافة، لتنتقل إلى إيجاد المخارج المطلوبة.

 

فإذا كان رئيس البرلمان نبيه بري يعتبر أن البرلمان لا يشرع على الطلب، رداً على اقتراح القانون من حزب «القوات اللبنانية» بتأخير تسريح قائد الجيش عليه أن يساعد في إيجاد حلٍ للمعضلة. وإذا كان التمديد لعون يعود إلى عدم جواز التشريع لفرد، كما ألمح بعض نواب الثنائي الشيعي، فيمكن العودة إلى اقتراح كتلة «اللقاء الديموقراطي» بالتمديد لكافة قادة الأجهزة الأمنية الذي سبق أن تقدمت به قبل انتهاء ولاية رئيس الأركان السابق. وإذا كان المخرج عبر الحكومة إما عن طريق التمديد للعماد عون أو اقتراح تعيين بديل منه، عبر وزير الدفاع موريس سليم، يرفض الأخير السير به، بسبب موقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي يراعيه «حزب الله»، فإن على باسيل و»الحزب» أن يطرحا البديل من هذه الصيغة للخروج من المأزق.

 

وهو مأزق ليس معقولاً أن يُستغل، في ظل مخاطر الحرب ولو الجزئية على الحدود (حتى الآن) لابتزاز الآخرين من أجل الحصول على تعيينات في مراكز عدة ومقايضة حضور وزراء «التيار» اجتماع مجلس الوزراء، بتعيين قائد يسميه «التيار»، مع أعضاء المجلس العسكري المسيحيين إضافة إلى تعيينات في مديرية الأمن العام ومديرية الأمن الداخلي، مع اشتراط موافقة حلفاء «التيار» من الطوائف غير المسيحية…

 

بين التسخين الميداني على الجبهة اللبنانية، وآخره قصف المقاومة شمال إسرائيل بالمسيرات بالتزامن مع إمعان إسرائيل في استهداف المستشفيات والمدنيين في غزة، وبين التفكير بإحياء مبادرات تصحيح أوضاع السلطة السياسية والعسكرية، تستمر الخيارات أسيرة التناقضات والضغائن الداخلية التي يتسلح أطرافها بالحجج الشكلية أمام معضلات جوهرية.