Site icon IMLebanon

ثورة الفراغ  

 

ربّما من المفيد الاعتراف بأنّ ليل السبت الماضي لمناسبة مئة يوم يوم على اندلاع الثورة كان مشهد الاحتفاء والتظاهر والثّورة بارداً إن لم نقلّ مملاً، وحده مشهد ذاك الأب اللامسؤول الذي عرّض طفله لخراطيم مياه القوى الأمنية سرق الشاشة برمّتها، ثمّة جمود وبرودة قارصة تتحكّم بالمشهد زادها تكتيك الجدران العازلة وقطع التيار الكهربائي أطاح بمشهد المواجهة بين القوى الأمنية والمتظاهرين، جدران زنّرت الساحات استعداداً لجلستي اليوم والغد في المجلس النيابي، والمشهد اليوم سيحدّد سقف المواجهات في الأيام المقبلة وحرارتها من برودتها.

 

نحن أمام دولة، بلا إحساس ولا أخلاق أيضاً، دولة عينها كاسرة ولا تستحي لا من الشعب ولا من نفسها، دولة «جقمة» إلى درجة أن يجيز القضاء السويسري أجاز بموجب قانون أصدره للدولة اللبنانية الإطلاع على كلّ الحسابات المصرفية للبنانيين في مصارف سويسرا اعتبارًا من 1 كانون الثاني 2020، ومع هذا هذه الدولة لم تسأل عن حساب واحد، وإجابة هذا الوضع المريب سهلة كلّهم حساباتهم هناك، «شو بدهن يسألوا ليسألوا»؟!! في نفس الوقت لم نشهد تحرّكاً قانونيّاً للثّورة ومن معها لحلّ معضلة أنّ السياسيين القائمين على الدولة اللبنانية سيفضحون أنفسهم، المطلوب هنا حراك حقيقي يخرج هذه الأرقام إلى دائرة الضوء ويكشف خيمة «الحصانة» عن لصوص الدولة وناهبي الشعب اللبناني، وإلا سيبقى الإعلان عن مسيرات من هنا وتظاهرات من هناك حراك في الفراغ الذي لن يوصل لبنان وشعبه إلى أي مكان، وسنظل حبيسي الدّعوات كالتي أطلقت بالأمس بـ»إعلان الإضراب المفتوح والنزول إلى الشوارع والطرقات مع الثوار (…) نطالب من جميع المناطق ارسال عدد كبير من الثوار إلى بيروت» الثّورة ليست دليفري أعداد من المناطق، وإن اجتمع هؤلاء الثوار سيكتشفون أنّ الدولة نصبت لهم فخّاً ووضعتهم في مواجهة الجيش اللبناني، هذه دوامة لن تنتهي!!

 

للمرّة المئة نقول نحن نحتاج ثورة حقيقيّة، تخلع كلّ الملتصقين بكراسيهم تعزلهم باسم الشعب من مناصبهم وتبقيهم في منازلهم قيد الإقامة الجبريّة، ونحتاج في نفس اللحظة إلى تشكيل هيئة إنقاذ مدني ـ وكلّ هذا بعيداً عن الطوائف ومكاسبها ـ وفي إطار خطوة إنتقالية إلى مشروع الدّولة الوطنيّة، على أن تضم هيئة الإنقاذ هذه أخصائيين يعلنون حالة طوارىء من أعلى الدرجات يتوجّهون إلى المجتمعيْن العربي والدّولي طالبين مساعدة لبنان في تأمين كلّ ما يحتاجه الشعب اللبناني.

 

ومجدداً نعيد ونكرّر ونقول «أمام اللبنانيّين فرصة أخيرة للغضب لحقّهم وكرامتهم رافضين الذلّ الذي يُسقى لهم ولأولادهم أقداحاً أقداحاً، لم يعد أمام المواطن اللبناني ترف استنزاف الوقت في حشد التظاهرات اليوميّة وحشد الشوارع وإحراق الإطارات وقطع الطرقات فالأمرُ أعجل من ذلك بكثير، ولم يعد مقبولاً تضييع الوقت على هذه الشاكلة، مسار الانهيار بات خطيراً جداً ولن نلبث أن نصطدم بالقاع بطريقة دراماتيكيّة».

 

لا يوجد ثورة من دون فكر، سواء كانت دموية أو سلمية، وتفتقد الحالة اللبنانيّة التي لم ترقَ بعد إلى أن تصبح ثورة حقيقيّة ما أتيح للثورة الفرنسية، فقبل أن تهب الثورة الفرنسية كان يُهيئ لها، ويضع مبادئها، ويحطم خصومها، رجال الفكر من أمثال «ڤولتير»، إلى «ديدرو» إلى «دالمبير» إلى «جان جاك روسو»، وذلك بالدعوة إلى المساواة بين جميع أبناء الشعب في الحقوق، وهي مساواة كان ينكرها النظام الإقطاعي والامتيازات الملوكية، وكذلك بالدعوة إلى إخراج الكنيسة من الحياة المدنية، وحرمانها امتيازاتها العديدة، وكذلك بالدعوة إلى الحياة العصرية التي كان يفهمها «ديدرو» و»ڤولتير» على أنها الاعتماد على العلم والمعرفة، وكان أبرز الدعاة إلى الثورة من حيث لا يعلم، هو «جان جاك روسو»، فإن مبادئ الثورة التي ما زلنا نعزوها إليها هي هذه الكلمات الثلاث: الحرية، والاخاء، والمساواة! إسمحوا لنا، الثورة اللبنانية ما تزال تدور في الفراغ، هي ثورة لا تملك عنواناً تجاوز حتى شعار «كلّن يعني كلّن»، هي أيضاً مثل الدولة تراخت وتراجعت عن عملية فضح هؤلاء «كلّن» ولم تسعَ حتى لتمتلك أدوات تخاطب بها العالم ليدعمها في هذه الخطوة!

 

ميرڤت سيوفي