IMLebanon

إستثمار الفاتيكان

 

ليست زيارة رسمية بحتة، يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون الى الفاتيكان. ليست كذلك في الحسابات على طريقة محور الممانعة وأذرعه، وتحديداً في توقيتها المحلي والإقليمي والدولي.

هي ترفد الشأن الانتخابي، بمجرد الإعلان عنها بدأ استثمارها في تحسين صورة «التيار الوطني الحر»، الذي كان في ورطة تهدد عودته قوياً إلى المجلس النيابي في الانتخابات المرتقبة، لولا «الحزب» الذي أعلن أمينه العام أن المعركة لدعم الحلفاء.

بالتالي، هي في أهدافها لا تختلف عن أهداف «حزب الله» في تصويره الاستحقاق الانتخابي «حرب تموز سياسية» تستدعي التجييش والتحشيد، على الرغم من جهوزيته لخوضها بإمكانات لا يملكها باقي الأفرقاء على امتداد الجمهورية اللبنانية.

للزيارة تشعبات كثيرة أبعد من الانتخابات. لا تقتصر على الترويج لحلف الأقليات وحماية «المسيحيين المشرقيين». هذه النقطة موجودة، لكنها لا تكتمل من دون تبييض صفحة الحليف الحامي للأقليات.

بمعنى آخر، يسعى عون من خلال زيارته إلى اقناع المسؤولين في الفاتيكان، وعلى رأسهم البابا فرنسيس بأن «المسيحيين في لبنان بألف خير» لأن «حزب الله» يحميهم. والأهم يريد اقناعهم أن «الحزب» لبناني بنسبة 24 قيراطاً، ليس أقل. وأن كل حديث عن كونه وكيل الاحتلال الإيراني وباش كاتب الهيمنة والمصادرة الإيرانية للسيادة هو استهداف يتجاوز «الحزب» ليستهدف كل ما هو مسيحي بحاجة لحمايته..

تهدف الزيارة إلى اقناع الفاتيكان انه لولا «حزب الله»، لكان المتطرفون الداعشيون يسبون نساء المسيحيين ويقتلون شبابهم ويخطفون أطفالهم بغية تحويلهم داعشيين جدداً.

من هنا، لا يبحث عون في الفاتيكان، فقط، عن سجل عدلي نظيف او شهادة حسن سلوك ليبرر تحالفه الاستراتيجي والتكتيكي مع «الحزب» الذي أعاد للمسيحيين حقوقهم بعدما سلبهم إياها مسلمو «اتفاق الطائف».

هو يقوم بمهمة في إطار ورقة «تفاهم مار مخايل» المستمرة المفاعيل. وتقضي المهمة بتجميل صورة «الحزب»، واستعارة هوية لبنانية له، تمهيداً لمرحلة ما بعد الانتخابات التي يعوِّل عليها المجتمع الدولي، ليتعامل مع الفائزين انطلاقاً من كونهم الممثلين الشرعيين للشعب اللبناني، وتحديداً بعد الانتفاضة الشعبية الرافضة منظومة الحكم بكل من فيها قبل عامين.

وهو يريد من بوابة الفاتيكان ان يمهد الطريق لـ»الحزب» باتجاه المجتمع الدولي ليعترف به ويرفع عنه عقوباته ويشرعن سلطته وامساكه بالقرار اللبناني بعد نجاحه، كما يأمل، في الحصول على أكثرية برلمانية ساحقة.

تلك هي الأهداف الأبعد للزيارة، وتلك مهمة الرئيس ميشال عون، تحديداً في هذه اللحظة السياسية الراهنة إقليمياً ودولياً، وفي ظل انكفاء عربي عن لبنان، واندفاعة إيرانية مرتاحة على وضعها وعلى إمساكها بالورقة اللبنانية، وفي ظل بوادر الانتهاء من المفاوضات في فيينا بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد، تسعى إليه الولايات المتحدة، وتراه إيران فرصة ذهبية لتعويم اقتصادها المنهار بانفتاحها على أوروبا وتعويضها النقص الحاصل في الغاز والنفط بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

و»حزب الله» لن يبقى متفرجاً في هذه المرحلة، تحديداً بصفته الذراع الأقوى للمحور الإيراني، لذا يسعى إلى استمالة هذا المجتمع إلى صفه من بوابة الفاتيكان، وذلك بفضل جهود الحليف الوفي الذي سيحصل على المكافأة المطلوبة ليس فقط من خلال دعمه «التيار» في الانتخابات، ولكن أيضاً من خلال إيصال الصهر والوريث إلى كرسي بعبدا لمكافأته على الوفاء، وفي استكمال لوحدة المسار والمصير التي لا تهزها العواصف الداخلية او الخارجية.