IMLebanon

الفاتيكان يُفرمل حراكه… والراعي وحده المبادر!

 

يظن سياسيو لبنان أنّهم محور سياسة الدول الكبرى والكرة الأرضية، والحقيقة تبدو مغايرة تماماً لهذا الأمر مع انشغال تلك الدول بملفاتها وهمومها. لا تملك دولة الفاتيكان مصالح استراتيجية في العالم، وليس لديها أطماع، وتعتبر قيمتها المعنوية أكبر بكثير من حجمها، فالبابا هو المسؤول الروحي لأكثر من مليار كاثوليكي في العالم، وتأثيره يوازي تأثير زعماء الدول الكبرى، لا بل يفوقهم في بعض الأحيان.

 

وانطلاقاً من هذا الواقع، تعمل دولة الفاتيكان بتجرّد تجاه ملف لبنان، وهي لا تطمع بامتلاك موطئ قدم على المتوسّط من خلال نفوذها في بيروت، أو تريد إدخال شركاتها إلى لبنان من أجل الإستثمار في الغاز والنفط والطاقة أو أي مشاريع أخرى. ويحاول بعض السياسيين الإيحاء بأنّ الكرسي الرسولي يتدخّل في كل شاردة وواردة لبنانية، ويفضّل هذا الزعيم على خصمه أو يقف مع طرف ضدّ الآخر. والحقيقة الفاتيكانية مغايرة تماماً للواقع الذي نعيشه على الأرض أو لأمنيات بعض اللبنانيين، ويعمل الفاتيكان بصمت من أجل إنهاء الأزمة اللبنانية ضمن الأطر الدولية والتي تنقذ الشعب من مآسيه.

 

وما هو لافت للإنتباه حسب المعلومات ومن خلال نشاط السفارة البابوية في لبنان، عدم حمل السفير الجديد المونسنيور باولو بورجيا أي مبادرة معينة أو تختص بالشأن الرئاسي، فالفاتيكان لا يريد الدخول في الزواريب اللبنانية والمسيحية الضيقة. وتكشف المعلومات أنّ هذه البرودة الفاتيكانية وعدم الحماسة لطرح أي مبادرة رئاسية تعود إلى أسباب عدّة أبرزها:

 

أولاً: طريقة عمل الكرسي الرسولي ودبلوماسيته، فالفاتيكان لا يعمل على ردود الفعل أو الحماسة غير المدروسة، بل يدرس خطواته بتأنٍّ كامل ولا يرغب بالقيام بخطوات ناقصة، لذلك يُحضّر ملفاته جيداً قبل أن يطرحها.

 

ثانياً: يُصرّ الكرسي الرسولي على حصر التعاطي بالسياسة داخل لبنان بالكنيسة المارونية والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إذ لا يحبّذ دخول أكثر من طرف كنسي على خط نفس الملف. وفي هذا الإطار، ينتظر الكرسي الرسولي ما سيؤول إليه حراك الراعي ومحاولته جمع النواب المسيحيين في بكركي واستكماله المشاورات الداخلية، وبالتالي يُسلّم الفاتيكان هذا الملف للراعي وحده ولا يرغب أحد بـ»التشويش» على حركة الراعي.

 

ثالثاً: تُعتبر دبلوماسية الفاتيكان من أنشط الدبلوماسيات في العالم ولها علاقة مع كل دول العالم وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، من هنا ينتظر الفاتيكان ما سيُسفر عنه لقاء باريس واللقاءات المرتقبة بعده ليُبنى على الشيء مقتضاه.

 

إذاً، تمنح دولة الفاتيكان التفويض الكامل للبطريرك الراعي للقيام بما يجب رئاسياً وداخلياً، وتنسّق الخطوات الخارجية مع واشنطن وباريس، لذلك لا ينتظرنّ أحد خروج أي مبادرة من أروقة الفاتيكان. ومن جهة ثانية، يُفعّل الكرسي الرسولي حراكه باتجاه رفع منسوب المبادرات الإنسانية، وهذا ما يعبّر عنه قداسة البابا فرنسيس الذي يدعو دول العالم إلى عدم ترك شعب لبنان يواجه وحده أسوأ أزمة إقتصادية في تاريخه.

 

ويحاول الفاتيكان من جهة أخرى العمل لمنع انهيار المؤسسات الكاثوليكية وعلى رأسها المدارس والمستشفيات ومؤسسات الرعاية الإجتماعية، لكن كما يبدو لن يكون هناك تحرك فاتيكاني شامل كما تفعل باريس منذ العام 2019 لإنقاذ المدارس الفرنكوفونية.

 

يبقى الإنتظار سيّد الموقف على الساحة المسيحية واللبنانية، ويبقى حراك الراعي وحده الذي يطغى على الساحة على رغم عدم وجود أمل بتحقيق خرق ما نتيجة إمعان بعض النواب المسيحيين بالتعطيل وعدم حضور جلسات الإنتخاب ومخالفاتهم طلبات بطريرك الموارنة، فمن لا يسمع كلام بكركي فبالتأكيد لن تؤثر فيه مبادرة الفاتيكان التي لا تملك عصا غليظة مثل واشنطن.