IMLebanon

إستياء فاتيكاني من الفرنسيين ومن “السماسرة” على خط باريس – بيروت

 

لا يوفّر البابا فرنسيس مناسبة إلا ويعلن فيها دعمه للبنان والشعب اللبناني الذي يواجه الفقر والجوع والمرض وسوء إدارة حكّامه. فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع انتفاضة 17 تشرين، عبّر البابا عن تأييده للشباب اللبناني الثائر، وبارك انتفاضة الأحرار الجياع والمظلومين والمنهوبين والمنكوبين والمحرومين والمهمّشين… لكي ينعموا ببلد ودولة تحميهم وتؤمّن مستقبلهم.

 

مرّت ثلاث سنوات ونصف السنة على تلك الإنتفاضة والوضع يتدحرج نحو الأسوأ، فكما تستمرّ السلطة في الفتك والعبث بمقدرات البلد، فشلت «المعارضة»، أو من أطلقوا على أنفسهم «ثواراً»، في توحيد الرؤية ووضع خطة عمل إنقاذية تُعيد البلد إلى سابق عهده وتوقف النزيف الحاصل.

 

عند وقوع الفراغ الرئاسي في 25 أيار 2014، سارع الكرسي الرسولي إلى التدخّل وقام بما عليه على الصعد كافة من أجل تقصير أمد الشغور. وكان منذ عام 2013 قد أعطى الضوء الأخضر للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للتحرّك لتجنّب وقوع الشغور خصوصاً وأنّ مؤشراته كانت واضحة جداً. ومنذ انتخابه بطريركاً، سارع الراعي إلى جمع المسيحيين للإتفاق على أمور مفصلية لمواجهة مثلاً عملية بيع الأراضي والتغيير الجغرافي والديموغرافي والإتفاق على قانون إنتخاب موحّد وصولاً إلى حصر الترشيحات الخاصة برئاسة الجمهورية بالزعماء الموارنة الأربعة.

 

وتركّز جهد الفاتيكان في تلك المرحلة على الإتصال بالدول الكبرى والفاعلة مستغلاً الحضور الدبلوماسي الفاتيكاني في دول القرار، ونسّق الكرسي الرسولي خطواته مع فرنسا لإنهاء الفراغ ومحاولة الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكنّ العام 2023 بدا مغايراً تماماً للمرحلة الماضية. ففي هذه الجولة تحاول فرنسا ايمانويل ماكرون كسر إرادة المسيحيين الرافضة لترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وتعمل على إيصاله لأنّ هناك شبكة من المصالح لرجال أعمال بين فرنسا وبيروت وأفريقيا، طاغية، وليست الأولوية لمحاولة إنقاذ الواقع اللبناني.

 

وتتكرّر المحاولات من الحلقة التي تنشط بين بيروت وباريس من أجل كسب رضى الفاتيكان، ويعمل أحد رجال الأعمال على تأمين زيارة لفرنجية إلى الكرسي الرسولي من أجل التأكيد أنّ أكبر مرجعية مسيحية في العالم تؤيد فرنجية، فيما يُعمل ليلاً ونهاراً في بكركي لإخراج موقف من البطريرك الراعي يدعم من خلاله فرنجية.

 

وتُبدي الدوائر الفاتيكانية انزعاجها من النشاط الفرنسي ومن «السماسرة» الذين يعملون على خطّ بيروت – باريس، فلا موعد لزيارة فرنجية الفاتيكان، ولن يتورّط الكرسي الرسولي في لعبة الأسماء.

 

وبات الموقف الفاتيكاني هو الآتي:

 

أولاً: عدم الدخول في لعبة الأسماء المرشحة وعدم تفضيل اسم على آخر.

 

ثانياً: ضرورة قيام النواب بدورهم ليحترموا الأطر الديموقراطية والدستور ويوقفوا مسلسل التعطيل.

 

ثالثاً: الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية للمسيحيين على اعتبار أنه الموقع المسيحي الأول والأهم لمسيحيي لبنان والشرق.

 

رابعاً: عدم كسر إرادة المسيحيين في الإستحقاق الرئاسي، فأي مرشح يجب أن يُحضن من المسيحيين ومن سائر اللبنانيين.

 

خامساً: على أي رئيس ضمان المناصفة الإسلامية – المسيحية وعدم «بتر» الدور المسيحي والحفاظ على اتفاق «الطائف»، فمن دون مناصفة وحفظ الدور المسيحي لا وجود للبنان كما يعرفه الجميع، واللعب بالمناصفة وتقزيم الدور المسيحي سيوصلان إلى نتائج غير محمودة.

 

ويرفض الكرسي الرسولي كل محاولات إقحامه في بازار الرئاسة اللبنانية، ويمتعض من التعامل بهذا الملف على طريقة «السماسرة» وتأمين مصالح الدول على حساب مصلحة اللبنانيين. ومن جهة ثانية، لم تسلم باريس من إنتقادات الكرسي الرسولي بسبب سلوكها الرئاسي، خصوصاً وأنّ حاضرة الفاتيكان تُردّد أنه يجب على النواب إنتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية.

 

ويطمح الكرسي الرسولي إلى انتخاب رئيس إصلاحي ويلبّي طموحات الشعب اللبناني لا أن يكون غطاءً للسلطة الحالية ويُشكّل انتخابه استكمالاً لنهج الحكّام، من هنا يُفهم الإمتعاض الفاتيكاني من خطوات باريس الرئاسية لأن ما تقوم به ليس هو ما تتمنّاه روما والشعب اللبناني.