Site icon IMLebanon

الفاتيكان ليس طرفاً في لبنان ولا مبادرة لديه

 

 

أتت زيارة الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري للفاتيكان أمس الأوّل، بناءً على موعد كان قد طلبه وتمّت تلبيته. وتؤكد مصادر على صلة بالدوائر الفاتيكانية أنّ الكرسي الرسولي يرحّب بزيارة أي مسؤول، خصوصاً إذا كان لبنانياً. وفي حين لم يصدر أي بيان رسمي عن الفاتيكان عن هذه الزيارة ولقاء الحريري مع قداسة البابا فرنسيس والمسؤولين الكبار، واكتفى المتحدث الرسمي بإسم الفاتيكان بالتصريح أنّ قداسته ذكّر خلال لقائه بالحريري، بـ»مسؤولية جميع القوى السياسية في التزامها بما يعود بالنفع على الوطن»، كان كلام الحريري بعد اللقاء صادماً بالنسبة الى البعض لجهة نقله المشهد اللبناني الداخلي الخلافي الى حاضرة الفاتيكان.

بالنسبة الى فريق الحريري، انّ لزيارته الفاتيكان ولقائه البابا دلالات عدة، خصوصاً أنّه لم يصبح رئيس حكومة رسمياً وقد استقبله البابا فيما لم يستقبل آخرين، وهذه الزيارة تدحض ما يُقال عن اعتداء الحريري على حقوق المسيحيين، مشيرين الى رفض طلب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من السفير البابوي لدى لبنان ملاقاة البابا في زيارته الأخيرة للعراق. إلّا أنّ مصادر مطّلعة تؤكد أنّ هذا الطلب لم يحصل، جازمةً أنّ أبواب الفاتيكان مفتوحة أمام الجميع للاستماع إليهم والتشاور معهم، كذلك لا يدخل الكرسي الرسولي في الاصطفافات والمحاور اللبنانية الداخلية أو يقف طرفاً مع أحد، بل يعنيه لبنان بجميع أبنائه وبانتماءاتهم كافةً، وهَمّه إيجاد السُبل لانتشال «بلد الأرز» من الواقع الراهن.

 

وعلى رغم من أنّ الحريري أعلن بعد لقائه البابا أنّ قداسته سيزور لبنان بعد تأليف الحكومة، إلّا أنّ الفاتيكان لم يعلن ذلك، بل قال المتحدث الرسمي بإسمه ماتيو بروني، إنّ البابا جدّد رغبته زيارة لبنان بـ»مجرد أن تكون الظروف مؤاتية»، ولم يشر الى أنّ الحبر الاعظم ربط هذه الزيارة بتأليف الحكومة.

 

عموماً، الفاتيكان لا يتدخّل في المسائل الداخلية التفصيلية أو الاصطفافات في لبنان، بل إنّ ما يهمّ قداسته أو المسؤولين الكبار المعنيين بالشأن اللبناني الذين التقاهم الحريري بعد لقائه الحبر الاعظم، هو إيجاد السبل لوضع حد للأزمات التي يعانيها لبنان وشعبه، بحسب مصادر على صِلة بالفاتيكان. وتشير الى أنّ الكرسي الرسولي أبدى كلّ الاستعداد للمساعدة والدعم سواء عبر الديبلوماسية أو بوسائل أخرى، فضلاً عن المساعدات التي يقدّمها للبنان منذ فترة طويلة. وتلفت الى أنّ هناك قلقاً لدى الفاتيكان على الوضع اللبناني بكلّ مكوناته، مسيحيين ومسلمين وعيشاً مشتركاً. وهذا الموقف أكده البابا في مناسبات عدة، وتم التشديد عليه خلال اللقاء مع الحريري. أمّا المحاور الداخلية المعروفة في لبنان فلا تعني الفاتيكان بمقدار ما يعنيه تحسين الأوضاع أو إيجاد الوسائل للخروج من الأزمات كلّها، الاجتماعية والمالية والاقتصادية والسياسية.

 

في الموضوع الحكومي، هناك إصرار لدى الفاتيكان على أن تكون هناك حكومة وإصلاح في لبنان. وإنّ موقف الكرسي الرسولي داعم لأي مبادرة تساهم في حلّ الأزمات التي يعانيها لبنان واللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والانتماءات، فالهَم يرتبط بالإنسان في لبنان بنحوٍ عام. وتؤكد المصادر نفسها أنّ المسؤولين في الفاتيكان لم يدخلوا في الاصطفافات اللبنانية ولا توجد لديهم إرادة أن يكونوا مع فريق ضد فريق آخر. وبالتالي، إنّ أي مسؤول لبناني يرغب في زيارة الفاتيكان ستكون الأبواب مفتوحة له، وهناك استعداد للاستماع الى الجميع والتواصل مع الجميع، لكن هناك اعتبارات بروتوكولية لاستقبال الزائر، إذا كان رئيس دولة أو وزيراً أو نائباً أو مسؤولاً.

 

وتوضح المصادر نفسها، أنّ العمل الديبلوماسي في الفاتيكان جدّي ومحترف ولا تُتّخذ أي قرارات كرد فعل على مسألة معيّنة أو بتسرُّع. فأي موضوع يتم درسه وتمحيصه بطريقة جدّية ودقيقة. كذلك يجري الاهتمام بلبنان من أكثر من دائرة فاتيكانية، فلبنان موجود على تقاطع عدد غير قليل من اللجان الفاتيكانية، أكثر من أي دولة أخرى.

 

وعلى رغم اطّلاع الكرسي الرسولي الواسع على الوضع اللبناني، لا يدخل المسؤولون في الفاتيكان في تفاصيل الأزمة التي تهمّ المسؤولين اللبنانيين، وذلك ليس لأنهم لا يعرفون هذه الأمور، بل لأنّ هذه طريقة عملهم، وتهمهم النتيجة أكثر من التفاصيل للوصول الى هذه النتيجة، إن كانت حكومة أو حلولاً للأزمة أو الموضوع الاجتماعي الاقتصادي المالي. أمّا المقاربة التفصيلية لتأليف الحكومة أو غيرها من المسائل فليسوا معنيين بها بل إنّ المسؤولين في لبنان هم المعنيون بها.

 

وعن زيارة مسؤولين في الفاتيكان لبيروت، تؤكد المصادر المطّلعة أنّ هناك بعض الأفكار المطروحة في هذا الإطار، وهذا أمر وارد لكن لم يُحدّد تاريخه، إلّا أنّه غير وارد بمهمة وساطة أو مبادرة، فلا مبادرة خاصة للفاتيكان، بل دعم فاتيكاني لأي مبادرة، ومنها المبادرة الفرنسية، للمساعدة في انتشال لبنان من أزماته.

 

أمّا عن إمكانية استدعاء الكرسي الرسولي لشخصيات لبنانية لحلحلة أزمة التأليف، فتوضح هذه المصادر أن هذا ليس أسلوب العمل في الفاتيكان، فالكرسي الرسولي لا يستدعي أحداً، وليس في هذا الوارد، لا بخصوص لبنان ولا غيره من الدول، بل إنّ المسؤولين في الفاتيكان يستقبلون أي مسؤول يرغب في زيارتهم ولقائهم ويستمعون إليه ويتشاورون معه. وهذا الأمر يأتي خلافاً لروسيا أو فرنسا أو غيرها من الدول، إذ إنّ أسلوب الفاتيكان يختلف عن أساليب دول أخرى، ودافعه في أي مساعدة لا ينطلق من أي مصلحة، فلا تجارة بين الفاتيكان ولبنان وهو لا يريد استخراج الغاز والبترول أو إعادة إعمار مرفأ بيروت على سبيل المثال. بل ما يهمّه أن يستقرّ البلد ويعيش الناس في سلام من دون مشكلات معيشية، ولا ينتظر أي شيء في المقابل.

 

وعن إمكانية تدخُّل الفاتيكان لدى دول مؤثرة على الوضع اللبناني، تشير المصادر إيّاها الى أنّ الكرسي الرسولي يُستشار وهو على تواصل مع الدول المؤثرة في العالم، وكلمته مؤثرة، لكنه لا يُعلن عن كلّ شيء يقوم به. فالعمل الديبلوماسي في الفاتيكان صامت «من دون طبل وزمر». ولا يوفّر الفاتيكان فرصة لتقديم أي مشورة إيجابية تصب في خانة انتشال لبنان من أزماته، وهو فاعل ومتحرّك على المستوى الديبلوماسي وإنّ لكلمته وزناً، لأنّه لا يطلب شيئاً في المقابل، ولا يُجري مقايضات مع الدول كما تفعل الدول الأخرى.

 

وتأتي مقاربة البابا فرنسيس للبنان كمقاربات أسلافه ولا سيما منها البابا يوحنا بولس الثاني، فللبنان أهمية كبيرة لدى الكرسي الرسولي، على مستوى العيش المشترك الإسلامي ـ المسيحي وأيضاً على مستوى موقعه ودوره بكلّ مكوناته، في المنطقة. وهذا الأمر ليس بجديد، بل إنّ الاهتمام بلبنان دائم، لكن يُضاف اليه الآن قلق البابا والمسؤولين الكبار في الفاتيكان على وضع لبنان واللبنانيين جميعاً.