Site icon IMLebanon

أوّل تمّوز من الفاتيكان… نعم لتثبيت الكيانيّة اللبنانيّة

 

تبقى بكركي هي صخرة لبنان. اليوم والأمس وغداً. شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. يبدو أنّ الفاتيكان قد استجاب لدعوة بكركي. ولبنان لن يُترَكَ فريسةً على طاولة المفاوضات الدّوليّة. لذلك، تمّت الدّعوة إلى قمّة روحيّة في الفاتيكان من أجل لبنان، تشبه بأهدافها السينودس الذي عُقِدَ في تسعينات القرن المنصرم والذي ثبّت كيانيّة لبنان، ومنع ابتلاعه من قبل الاحتلال السوري. فهل ستنجح بكركي والفاتيكان مرّة جديدة بمنع ابتلاع لبنان وتغيير الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة؟

 

إن لم نتّعظ من تجارب التاريخ فعبثاً نعمل لنكتب هذا التاريخ. يوم أطبَقَ الاحتلال السوري وعملاؤه على لبنان، أسرع الفاتيكان وعقد سينودساً خاصّاً ببلد الأرز، فثبّت وجوديّته وأطلق يد بكركي لقيادة الحركة التحرّريّة. اليوم بكركي سبقت الفاتيكان، ورفع راعيها عصاه معلّياً الصوت باتّجاه الفاتيكان أوّلاً، ودول القرار المفترَض أن تكون مهتمّة بالحفاظ على لبنان. ولمّا لم يلقَ سيّد الصرح أيّ تجاوب من أيّ دولة سوى فرنسا التي تمّ إفشال مبادراتها كلّها، ولمّا رأى أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة غير مهتمّة بعلاج الأزمة اللبنانيّة، والقضيّة اللبنانيّة ليست من أولويّاتها، وروسيا غير مهتمّة إطلاقاً بلبنان إلا من حيث كيفيّة استغلال نفوذها في سوريا للأعمال النّفطيّة والقواعد العسكريّة. عاد ورفع الصوت باتّجاه الفاتيكان الذي على ما يبدو أنّه المهتمّ الوحيد بالقضيّة اللبنانيّة.

 

فدعا إلى قمّة روحيّة ستعقد في الأوّل من تمّوز في الفاتيكان بحضور رؤساء الطوائف المسيحيّة، على وقع مشاورات ستجريها بكركي مع المرجعيّات الروحيّة الاسلاميّة في هذا الأسبوع لتستمزج آراءها في ما يتعلّق بالقضيّة اللبنانيّة ككلّ. على ما يبدو أنّ الفاتيكان مزمع ألا يسمح بتحوّل لبنان إلى أيّ جائزة ترضية تمنح على طاولة المفاوضات، لا لسوريا إن كانت المفاوض مع السعوديّة، ولا لإيران في حال المفاوضات النوويّة.

 

لن يكون لبنان لقمة سائغة لأحد. ولن تسمح بكركي لا اليوم ولا غداً كما لم تسمح بالأمس بتبديل الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة عبر تغيير وجهة ووجه لبنان. وهنا تكمن القضيّة اللبنانيّة التي أؤتمِنَت بكركي عليها، ووحده الفاتيكان كفيل بالحفاظ عليها أيضاً. فللدول جميعها مصالح، قد تتقاطع حيناً مع المصلحة اللبنانيّة فيكون تأثيرها إيجابيّاً في الساحة اللبنانيّة. وقد لا تتقاطع حيناً آخر فتؤثّر سلباً. وعلى ما يبدو أنّ هذه المصالح اليوم ليست متقاطعة مع المصلحة الوطنيّة. لذلك إن تُرِكَ لبنان لمصيره ستكون تداعيات هذه المصالح الدّوليّة سلبيّة حتماً.

 

من هذا المنطلَق سيأتي التدخّل الفاتيكاني. وبالطبع لن تزحف الجيوش باتّجاه لبنان، ولن تُغدَقَ الأموال على اللبنانيّين.

 

ولنا في ذلك تجربة العام 1997 التي أينعت في أيلول 2004 باستصدار القرار 1559 الذي جاء استكمالاً لما بدأته بكركي في نداء 20 أيلول من العام 2000 وذلك كلّه بالتوازي مع اللحظة الدّوليّة المؤاتية أدى إلى خروج الجيش السوري من لبنان، بعد احتلال لم يأمل أحد بانتهائه إلا أصحاب الروح المقاوِمة التي ما اعتادت يوماً على الانكسار.

 

انطلاقاً من هذه التجارب كلّها، يبدو أنّ المؤتمر الدّولي الذي تطــالب به بكركي سيصبـــح أمراً واقعاً، بفعل فاتيكانيّ – أممي وأسرع ممّا يترقّبه بعض المتربّصين شرّاً من تحت طاولات المفاوضات.

 

ولن يُترَك لبنان ليصبح فريسة لا لسوريا ولا لإيران حتّى لو كان “حزب الله” اللبناني هو الوسيلة. فبنهاية المطاف معروف هذا الحزب ومعروفة ارتهاناته العقائديّة الأيديولوجيّة عند الأعتاب الايرانيّة. وسيكون تاريخ الأوّل من تمّوز 2021 تاريخاً مفصليّاً في تثبيت الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة فاتيكانيّاً وأمميّاً. وتبدأ هذه المسألة بتأكيد الحفاظ على الانتخابات كلّها، نيابية وبلديّة واختياريّة ورئاسيّة، وسيتضمّن هذا المؤتمر أيضاً تحذيراً من التمادي من قبل بعض اللبنانيين، المسيحيين المدّعين الحرص على التاريخ المسيحي، وبعض المسلمين غير الكيانيّين بالعمل على تغيير الصيغة والكيان والهويّة. والأهمّ من ذلك كلّه التأكيد على حياد لبنان من خلال عدم توريطه في صراعات المنطقة.

 

لقد صار واضحاً التدخّل الفاتيكاني للحدّ من الانهيار اللبناني. وأول تجلياته سيكون في قمّة 1 تمّوز الروحيّة. أمّا المتابعة الأممية فستكون بإدراج لبنان من قبل الفاتيكان على جدول المباحثات الدّوليّة بين بوتين وبايدن في أقرب لقاء بينهما. وقد ينتج عن هذه المباحثات قرارات أمميّة ستشكّل مداراً للتجاذب في الحياة السياسيّة اللبنانيّة في العقد القادم. كلّنا ثقة ببكركي، وكلّنا إيمان بمسيرتنا النضاليّة للحفاظ على هويتنا الكيانيّة اللبنانيّة. وما لم يبتلعه حوت عثماني دام رسوّه أكثر من أربعة قرون على شواطئنا، لن يبتلعه فرخ سردين لن يبلغ عقده الرابع. ومن له أذنان للسماع… فليسمع !