Site icon IMLebanon

الفاتيكان ولبنان: كلام مع واشنطن وتحرّك جنوبي

    

 

يعمل الفاتيكان على رعاية الوضع اللبناني على خطين: كلام دائم ومستجدّ مع واشنطن، وتحرك داخلي للسفير البابوي أبعد من الحركة الديبلوماسية. وفي الحالتين، سعي لحماية استقرار لبنان ومسيحييه

 

منذ تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن مهامه رئيساً للولايات المتحدة، عوّلت دوائر لبنانية فاعلة في الفاتيكان على أهمية التواصل بين الكرسي الرسولي والرئيس الكاثوليكي لإبقاء ملف لبنان حاضراً لدى الإدارة الجديدة. وطوال السنوات الماضية، لم يخيّب الفاتيكان من راهنوا على دوره مع إدارة بايدن والرئيس شخصياً، رغم مرحلة طغت فيها محاولات فرنسية لدى بعض الديبلوماسية الفاتيكانية لخلق مناخات جديدة في لبنان، عملاً بسياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفريقه والمبادرات التي تتالت وأثبتت فشلها.وبقيت مراجع فاتيكانية تعمل على خط واشنطن لتحييد الوضع اللبناني عن كل مساومات يمكن أن تصل إليها أي مفاوضات إقليمية ودولية، ترسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، على قواعد جديدة. ومنذ انفجار الرابع من آب وصولاً إلى الفراغ الرئاسي، أبقى الفاتيكان حضوره الدائم في بيروت على مستويات إنسانية وسياسية، عملاً بتجارب مماثلة مرّت بها العلاقة بين الكرسي الرسولي وبيروت، في سعي دائم لرعاية استقرار لبنان عبر العواصم المعنية وفي مقدمها واشنطن. والرهان الفاتيكاني على الولايات المتحدة في السنة الأخيرة التي تسبق الانتخابات الرئاسية قائم بجدية، للإفادة من حراك أميركي في المنطقة تزامناً مع التدهور الذي شهدته المنطقة من 7 تشرين الأول. والكلام الفاتيكاني يحث الإدارة الأميركية على عدم التخلي عن لبنان وعدم المساومة عليه وحماية الاستقرار فيه.

مع حرب غزة، بدا أن الحضور الأميركي أكثر فاعلية من المراحل السابقة في الرغبة بإبعاد الحرب والضغوط الإسرائيلية عن لبنان، وزادت واشنطن من مستوى رسائلها وتدخلها لتجنيبه تداعيات ما يجري في غزة. ووفقاً لمتصلين بدوائر أميركية، يُسهم الفاتيكان مساهمة فعلية وجادة في العمل مع الإدارة الأميركية في سلوك هذا المنحى لتحييد لبنان. فهذه الحرب فتحت العيون أكثر فأكثر على الوضع اللبناني، وزادت من اهتمام الكرسي الرسولي بإبقائه موضوعاً قائماً بذاته، عدا الاتصالات والمفاوضات لوقف حرب غزة التي يقف الفاتيكان موقفاً واضحاً في شأنها. وتعمل دوائر الفاتيكان على متابعة ملف لبنان عبر واشنطن كأكثر العواصم فاعلية وتأثيراً في مجريات المنطقة. علماً أن لدى الكرسي الرسولي ملاحظات لبنانية محلية، مسجلاً غياب أي مقاربة لبنانية داخلية على مختلف المستويات لتقديم مقاربات واضحة الرؤية للأزمات المتتالية، والاكتفاء بالاتكال على الخارج من أجل رعاية مصالح لبنان. وهو إذ يبدي تفهّمه للواقع اللبناني، إلا أن لديه ملاحظات على أداء القوى المعنية بإيجاد حلول للأزمات التي كان يمكن أن تظل لبنانية محلية بدل إدخالها في صراعات إقليمية ودولية، ما يجعلها قابلة للمبازرة والمفاوضات والتدخلات الخارجية.

بدا تقصير الكنيسة المارونية فاضحاً إزاء حركة السفير البابوي المستقلة

 

في موازاة ذلك، حرص الفاتيكان على إظهار دوره في الداخل اللبناني، على خلفية ما يحدث جنوباً، أعطى السفير البابوي باولو بورجيا مقاربة فاتيكانية أوسع لما يحصل، تتعدى اللقاءات التي يتحرك عبرها في شأن الوضع السياسي. فبعد ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، وانفجار الوضع الجنوبي، وبدء حركة نزوح من القرى الحدودية، زار بورجيا القرى المسيحية الحدودية، ومنها دبل وعين إبل ورميش، في توقيتين لافتين. الزيارة الأولى في بداية تشرين الثاني تحت عنوان إنساني برفقة المؤسسة المارونية للانتشار لتأمين مساعدات لأهالي المنطقة داعياً إياهم إلى البقاء فيها، والثانية في عيد الميلاد حيث كانت له محطة في رميش. والزيارتان ليستا عاديتين بالمفهوم السياسي والإنساني، في الظروف التي تمر على أهالي المناطق الحدودية عموماً والمسيحية خصوصاً. وحرص السفير البابوي على تخصيص الجنوب بزيارتين في أسابيع قليلة، ليس عملاً فولكلورياً. وفي محصلة أولية، خرج السفير البابوي عن الإطار التقليدي منفرداً في مبادرات فاتيكانية مستقلة، لتأكيد اهتمام الفاتيكان بمسيحيي الأطراف حيث الخوف على مصيرهم في ظل التطورات العسكرية، وحثّهم على البقاء في أرضهم وتأمين المساعدات لهم. لكن جولته الثانية أخذت بعداً أكثر أهمية في عيد الميلاد، ولا سيما أنها أعقبت زيارة البطريرك بشارة الراعي صور فقط، وعدم تفقّده أهالي المنطقة الحدودية الذين أبدوا عتبهم بشدة عليه. وقد بدا تقصير الكنيسة المارونية فاضحاً إزاء حركة السفير البابوي المستقلة، وهو عكس التخوف مما يحدث في المنطقة الحدودية، وموجات النزوح التي صارت أقرب إلى تهجير يطال المسيحيين من المنطقة، ويعبر عنه في إصراره على تفقّد الرعايا المسيحيين، وتحفيز المساعي التي تصب في إطار تعزيز وجودهم عبر تأمين المقومات الحياتية والصحية والتربوية، من دون أن يغفل عن متابعة الوضع السياسي العام مع كل القوى لتنشيط الاتصالات المحلية والديبلوماسية المتعلقة بالوضع السياسي العام، تماشياً مع سياسة الفاتيكان لإيجاد حل للأزمة الراهنة، وهو المعروف بخبرته وعمق معرفته بتفاصيل وقائعها والحياة السياسية اللبنانية.