كغالبية المشاريع التي تستغرق سنوات طوالاً مِن دون أن تنتهي، وإذا «حالفها الحظ» تُنجز بمواصفات أقل بكثير من الملايين التي تُصرف عليها، ينضمّ «سوق الخُضر والفواكه بالمفرق» الذي تشيّده بلدية بيروت على عقار تابع لها، في منطقة أرض جلول، إلى سلسلة «الإنجازات» المجمّدة.
قبل أيام، زار مهندسون من البلدية المشروع، برفقة مكتب الاستشاري عبد الواحد شهاب وممثّل عن المتعهد («الجهاد للتجارة والتعهدات»)، للمقارنة بينَ الأعمال المنفّذة ودفتر الشروط قبل تحديد موعد تسلّم المشروع، إلا أنهم اكتشفوا أن الأعمال لم تنته بعد ما يؤخّر التسلّم النهائي، فيما يُصرّ المتعهد على أنه أنهى الأشغال المتفق عليها وفق دفتر الشروط. وعليه، يبقى مصير «السوق» معلقاً، فيما يستعد ديوان المحاسبة «للنظر في الملف»، وفق مصادر بلدية.
السوق عبارة عن مجمّع تجاري (مول) بدأت شركة «الجهاد للتجارة والتعهدات» العمل فيه عام 2018، بعدما فازت بالمناقصة، رغم الكلفة العالية (26 مليوناً و750 ألف دولار) لمشروع يُنفذ على مساحة 7500 متر مربّع. وهو مؤلّف من 8 طبقات وموقف سيارات وأكثر من 160 محلاً للخُضر والفواكه وغرف تبريد لفحص المنتجات وثلّاجات ومكاتب للنقابة.
وكانَ مفترضاً وفق العقد الموقّع بين الشركة والبلديّة، الانتهاء من الأشغال وتسليم السوق إلى البلدية في كانون الثاني 2019، وهو ما لم يحصل. بداية، بُرّر التأخير بعراقيل إدارية لها علاقة بملكية المشروع، إذ أن العقارات لم تُسجّل باسم البلدية، ولا تزال المعاملات تتجوّل بين وزارة المالية ومصلحة الأملاك في البلدية، وتنتظر منذ أكثر من سنتين الاستحصال على الإفادات العقارية.
يؤكد المتعهّد أنه أنهى الأشغال المتّفق عليها
مصادر متابعة للمشروع، أكدت أن البلدية «تعتبر أن هناك أعمال تشطيب كثيرة غير ناجزة حتى الآن». وينقل مهندسون أن «الكشف أظهر عدم انتهاء أشغال لها علاقة بإمدادات المياه والكهرباء، لذا ترفض البلدية تسلّم المشروع ناقصاً، لئلا تضطر لتكبّد المزيد من المصاريف». وكشف هؤلاء أن «التفتيش المركزي فتح تحقيقاً في عدد من الشكاوى المقدمة»، لذا «لا يريد محافظ بيروت تسلّم المشروع قبل صدور التقرير النهائي حتى لا تساق إليه الاتهامات»، مشيرين إلى «وجود عراقيل إدارية تتعلق بشراء العقارات، علماً أنها لم تُسجّل بعد باسم البلدية».
مصادر «الجهاد للتجارة والتعهدات»، في المقابل، تؤكّد أن «الأعمال أُنجزت بالكامل». ولفتت إلى زيارات قام بها مسؤولون إلى موقع المشروع، من بينها جولة لمحافظ بيروت مروان عبوّد برفقة وفد من البلدية، «وما نعرفه أن الوفد كانَ راضياً عن الأعمال وأشاد بها». وأوضحت أن «هذه الجولات تدخل ضمن ما يُعرف بمراحل التسليم والتسلّم، حيث يصار إلى الكشف على كل التفاصيل للتأكد من مطابقتها للمواصفات، لأن عملية التسلّم لا يمكن أن تتم في يوم أو يومين، إذ أن هناك احتمالاً بأن تعترض البلدية على تفصيل معين وتراجع به الشركة».
مصادر في البلدية تشير إلى مشكلة إضافية، تتعلق بمن سيدير هذا المرفق ويتولى صيانته لاحقاً، إذ أن «القرار في هذا الشأن لم يُتخذ بعد في المجلس البلدي». علماً أن المجلس بحث قبل عامين في تلزيم جمعية «إمكان» إدارة هذا المرفق مقابل 600 ألف دولار سنوياً. وقد أثار الأمر الكثير من الجدل لأن بين مؤسّسي الجمعية، بحسب ما أظهر سجلها التجاري، وليد السبع أعين، المستشار المالي لرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، وندى عبد الساتر التي تعمل أيضاً ضمن فريقه المالي. ولم ينجح المجلس البلدي في التصويت على إبرام عقد بالتراضي مع «إمكان» لتنظيم عمل السوق. وعليه يقول مطّلعون في البلدية إن الإشكاليات المتعلقة بمشروع «سوق الخُضر» أثارت شكوكاً لدى ديوان المحاسبة الذي «من الواضح أن لديه نية للتحرك في هذا الإطار وإعادة تحريك الملف لتبيان حقيقة ما يجري».