في ذكرى الحروب العربية – الإسرائيلية ومنها الحروب اللبنانية – الإسرائيلية وآخرها حرب تموز (يوليو) 2006، يستحق الأمر وقفة عند هذا التاريخ الطويل من الدم والتضحيات والدمار وفقدان الأرض والبلدان.
ما من شك أولاً أن إسرائيل قامت فوق جزء من أرض فلسطين كدولة طامعة بالتوسع والتمدد وتثبيت الهوية اليهودية لهذه الدولة، وهو ما يجري تثبيته في النصوص الآن بعد سعي دؤوب لتمهيد الأرض احتلالاً واستيطاناً وترانسفيراً. هذه حقيقة وأمر واقع ، لكن جملة حقائق أخرى يجري إغفالها، ومنها أن الاهتمام العربي والفلسطيني بقضية فلسطين اكتفى بحرب الإنقاذ في 1948 ثم انشغل بتقاسم ما تبقى من أرض فلسطينية في غزة والضفة، فألحق الأولى بمصر والثانية -بما فيها القدس الشرقية- بالأردن. لم يفكر العقل السياسي العربي والفلسطيني يومها بضرورة قيام دولة فلسطينية على الجزء الذي لم تتمكن الدولة الصهيونية الناشئة منه، لتتحول لاحقاً إلى رمز وسلطة تطمح إلى استعادة فلسطين في صيغة متطورة وديموقراطية وعلى أنقاض المشروع الصهيوني. استمرت الحال كذلك حتى 1967، واكتفي في الأثناء بإنشاء منظمة تحرير توالي أنظمة وتعارض أخرى، وبعد الحرب التي وضعت أرض فلسطين التاريخية بالكامل تحت سلطة إسرائيل، انطلقت المقاومة الفلسطينية، التي برغم التضحيات وإخلاص قيادات فيها، شقت الطريق أمام نظريات لا نزال ندفع ثمنها، ويكررها آخرون من عرب وعجم، فحواها أن طريق القدس تمر من عمان، وفي وقت لاحق من جونية، إلى أن حوصرت ودمرت الثورة الفلسطينية فظهر في بغداد من يقول: اليوم القادسية وغداً فلسطين، والمعزوفة تتكرر بلغات أخرى.
منطقان أضاعا الحقوق الفلسطينية والعربية، منطق التطرف الفارغ الذي يخفي مطامح ومطامع خاصة، وهو ما منع قيام دولة فلسطينية عام 1948، ومنطق نشر نظريات التحرير عبر الأردن ولبنان والعراق، واليوم سورية. أما حروبنا اللبنانية ضد إسرائيل، فهي ليست سوى امتداد لأيام النظرية تلك، والتي جعل أصحابها من اتفاق وقف النار بين منظمة التحرير وإسرائيل في جنوب لبنان عام 1981 إنجازاً، فيما لم يكن سوى تمهيد لاجتياح 1982.