في ظل التحوّلات الجديدة التي طرأت على الملف النووي الإيراني، والذي سيؤدي إلى إدخال المنطقة بأسرها في مرحلة جديدة من الحراك السياسي، يقف لبنان منتظراً حلول دوره في سلم أولويات الدول الإقليمية المعنية بشكل مباشر بالملف اللبناني، وذلك على رغم التناقض الحاصل بين الأوساط السياسية اللبنانية في قراءة نتائج معا تم التوصّل إليه بين إيران والغرب على هامش الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني.
وفي حين اعتبرت قوى الثامن من آذار، أن انتصاراً تحقّق لمصلحة إيران، لا بدّ أن تتم ترجمته في السياسة اللبنانية الداخلية لجهة حصول تسوية تصب في مصلحة هذا الطرف، فإن مصادر نيابية في 14 آذار لا توافق على هذا التصوّر، وإن كانت ترحّب وبحذر شديد بالإتفاق الذي تحقّق في فيينا، مشيرة إلى أن إيران قد تمكّنت من انتزاع أول اعتراف رسمي غربي، وخصوصاً أميركي بها، وبصيغتها القائمة كدولة إسلامية منذ انتصار الثورة في العام 1979 حتى الآن. وأوضحت أن الإعتراف الدولي بإيران قد بدأ منذ بدء عملية المفاوضات الغربية معها، ولكن توقيع الإتفاق النووي هو الذي كرّس الإعتراف الدولي بإيران التي قرّرت بدورها أن تكون دولة دينية، تعمل على تصدير ثورتها إلى دول أخرى، إذ لم يطلب منها أي طرف غربي أن تعدّل في مسار استراتيجيتها، الأمر الذي يجعل من الإتفاق انتصاراً للدولة الإسلامية.
وأشارت هذه المصادر، أن التعاطي السابق مع إيران كان يتم على أساس أنها تترأّس «محور الشر»، فيما كانت إيران تتعاطى مع أميركا على أنها «الشيطان الأكبر». لكن الوضع تبدّل بعدما بات الطرفان يتبادلان الخدمات، مما يجعل من إيران ذات وجود شرعي في المنطقة والعالم، ويحقّق لها فعلياً إنتصاراً في المنطقة، كما في العالم، وذلك على الرغم من الحديث الأميركي عن إختبار لمسار السياسة الإيرانية في المرحلة المقبل.
أما لجهة ترجمة هذا الإنتصار الإيراني على الساحة اللبنانية، فقد كشفت هذه المصادر، أنها ستكون معاكسة لكل التوقّعات «الإيجابية» لأن من يرى في الإتفاق انتصاراً، سيتشدّد في وضع شروط للتسوية، وبالتالي، فإن أزمة الشغور الرئاسي لا تبدو قابلة للتسوية في المدى المنظور. وأوضحت أن فريق 8 آذار قد يعارض التفاوض على تسوية رئاسية في هذه المرحلة، لأنه سيتّجه طبعاً إلى توظيف ما يعتبره انتصاراً، وإن كانت إيران نفسها تحدّثت عن «تفاوض عقلاني ومنطقي ومتوازن ومتميّز بالإحترام المتبادل»، كما أعلن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بعد الإعلان عن هذا الإتفاق.
في المقابل، أكدت المصادر عينها، أن المأزق الرئاسي يفترض تسوية تقوم على انتخاب رئيس توافقي، ويتمتّع بقدرة تمثيلية على الصعيد المسيحي، لأن الرئيس القوي، وبعد عام ونصف من الشغور الرئاسي، هو الرئيس الذي يستمدّ قوته الأساسية من التوافق حوله وحول دوره. فلبنان محكوم بتسوية معيّنة، وبالتالي، لا يجب الإستمرار بالمغامرة التي قد تؤدي إلى خسارة الرئيس تحت شعار «إما الرئيس القوي، وإما الفراغ». وأكدت المصادر نفسها، أن كل الأزمات اليوم ناتجة عن الشغور الرئاسي، وبما أن اللبنانيين قد خسروا فرصة «صناعة الرئيس في لبنان» بسبب رفض البعض الحضور إلى مجلس النواب، فهم مضطرّون اليوم إلى انتظار تسوية خارجية، علماً أن هذه التسوية قد لا تناسب أياً من الأطراف سواء في 8 أو في 14 آذار، لكن الفريقين سيجدان أنفسهما في موقع الإستسلام لها بسبب تضييع فرصة انتخاب الرئيس خلال الأشهر الماضية.