Site icon IMLebanon

الزيارة

«الدولة» تأكل نفسها

ـ ١ ـ

كانت نظرات تيودور هرتزل تفرض حضورها القوي في مؤتمر نتنياهو وسامح شكري.

الزيارة لم تكن مفاجأة، كما قالت ردود أفعال كثيرة، فبعد تمرير «خطة استعادة السلام الدافئ» التي قالها السيسي في كلمة عابرة خلال جولة محلية، ومن دون مناسبة، لم يكن من قبيل التحليل المفرط الكلام عن «مرحلة جديدة» او «ظهور علني» لاتفاقات تمّت بقوة الأمر الواقع، حين تلاقت مصالح 3 أنواع من بيوت السلطة في الشرق الأوسط.

لقاء ـ تحالف هذه البيوت تم بعد انفجار «طلب التغيير» مع «ثورات انتفاضات الربيع العربي» كما يصفونه عادة، وهنا كان «الخطر» الذي يهدد «استقرار» المنطقة على حالة «لا سلم ولا حرب» مع مناوشات حربية تقطع الصمت وتحشد العواطف التائهة منذ توقيع فك الاشتباك الثاني في 1974.

التحول الكبير من «الحرب» مع «العدو» الاسرائيلي، تم بعد حرب تشرين، ولم يتخذ مساراً طبيعياً الى «سلام ما بعد الحروب» وانما فجّرت ثنائية «الحرب والسلم» حروباً بلا نهاية من اتهامات الخيانة او اعلان حرب خيالية في شعارات تنظيمات وأنظمة، اشترت البقاء بابتزاز الناس إما «بالتخويف من ويلات الحرب» أو «بتجهيز حرب على طريقة هرمجدون…».

وضع ما بعد تشرين 1974 استغرق وقتا اطول من زمن الحروب التقليدية المباشرة، وترتبت بناء عليه «هندسة» سياسية، هدّدت بسقوط انظمة او تحلّلها او عدم قدرتها على الحسم..

وهذا سر «تحالف» بيوت السلطة في كل من مصر والسعودية واسرائيل من اجل «اعادة الهندسة القديمة» حتى لو كان ذلك عبر «تعاون عسكري بين مصر واسرائيل ظل مكتوما حتى لا يثار الرأي العام في مصر» على حد تعبير لوس انجليس تايمز، او عبر اتفاق مثير بين مصر والسعودية حول جزيرتي تيران وصنافير بموافقة اسرائيلية.

لكنه ليس تحالفا يمر عبر «خطة» من القوى العظمى فقط (كما كان التخيل ايام زيارة السادات للقدس.. وتوقيع كامب ديفيد..)

إنه «تحالف» جديد له علاقة بتوازنات دولية، لكنه يطبخ في «الاقليم..» وتتنازعه «رغبات» اكثر من «خطة للمنطقة» كما يمكن ان يقال على ما حدث على يد كيسنجر منذ حزيران 1967.

ولهذا فإنه يمكن النظر الي زيارة الوزير المصري، في اطار «سباق» خفي مع اسطنبول، او جزء من صراعات خفية اخرى حول افريقيا، تتحرك فيها مصر بتواز والتقاء وصراع مع كل من اسرائيل والسعودية (وبالطبع ايران / وقطر).

ـ 2 ـ

«..لكنه بالتأكيد لا يخفى على احد تغير موقع مصر من «القائد» و«المركز» الى الوسيط.

وهو ما عبّر عنه آفي ديختر رئيس لجنة الامن والخارجية في الكنيست الاسرائيلي بوصف حركة مصر تجاه التسوية او استعادة المفاوضات حول الدولتين بأنها «ضريبة كلامية..».

ولهذا سأل: لماذا لم يأت السيسي واعتبر ان زيارة سامح شكري «بشرى غير كاملة».

ولم يقل طبعا إنها «تسديد فواتير..» تمسك فيها القاهرة بأطراف من دورها القديم في القضية الفلسطينية، لتحافظ على وجودها «المهم» للاطراف الدولية، وذلك «تثبيتا للنظام» و «الاعتراف به» وبالطبع دعمه في الخروج من منحدر الكوارث.

تلتقط اطراف متعددة هذا الاحتياج، لتحقق عبره نتائج. من بينها سعي نتيناهو الى ضرب «المبادرة الفرنسية» التي تشير الى «مفهوم» لفكرة الدولتين لصالح ما طرحه السيسي القائم على اقناع الاسرائيليين بأن «الدولة الفلسطينية» ستحقق لهم الأمن والأمان..».

نتنياهو ابن التطرف يريد الهروب من «الحل الدولي / الفرنسي» بانقاذ من القاهرة، يضمن به الا يضيع «حلّ الدولتين»، حلم هرتزل.

بينما كانت الزيارة (كمحصلة للسياسات والرؤى والمفاهيم الحاكمة للتعامل مع قضية فلسطين) هي مؤشر الي ان الاعمدة المؤسسة لوطنية دولة ما بعد الاستعمار دخلت متاحف افتراضية على يد المؤسسات نفسها التي اخترعتها.

ـ 3 ـ

…وهذا تحالف لا يتفق الا على التحالف…

تتعارض الأهداف المصرية مثلا في افريقيا مع الاهداف السعودية، كما ان سيطرة اسرائيل (كما تشير زيارة نتنياهو الافريقية) لا تطمئن النظام المصري الا فيما يتعلق بقدرتها على منافسة الحضور الايراني، بينما ملف مياه النيل اصبح في «حزمة خدمات» تل ابيب لمارشال القاهرة.

كذلك فاقتراب اردوغان من اسرائيل، لا يجعل القاهرة ـ الرياض سعيدة الا فيما يتعلق بحصار «حماس» لكي لا تخرج عن اتفاقها مع الاجهزة المصرية في مطلع العام الحالي.

التحالف معقّد لأنه ابن لحظة معقّدة، تتجمع فيها «غريزة البقاء» خالية من الافكار لتعمل معا بيوت السلطة «المتحدة» في «فرملة التغيير»… وهذا وحده اشارة الى ان «العالم تغير..».

وأنه لن يبقى طرف على حاله بما في ذلك «إسرائيل» التي يشعر حكامها بالزهو والتباهي، بعد كسرهم الحصار العربي.

انها نهايات… بطعم المرارة…