يتّفق أكثر من مصدر وزاري في حكومة «المصلحة الوطنية»، على أن للضرورة أحكامها الخاصة، وهي التي تحدّد مسار العمل الحكومي، كما السياسي الداخلي، في ظل التعقيدات المتنوّعة التي تفرضها التطوّرات الإقليمية على الأجندة السياسية اللبنانية. وفيما يستبعد مصدر وزاري مطّلع، أن تسمح الأيام القليلة الفاصلة عن موعد جلسة الحوار الوطني المقبلة، بحصول أي تغييرات في المشهد الداخلي، فقد أكد أن صورة التضامن الوزاري ستبقى صامدة في وجه عاصفة التصعيد والسجال المحيط بملف التعيينات العسكرية، إلى غيره من الملفات ذات الطابع الجدلي المدرجة أو المؤجّلة على جدول أعمال جلسة بعد غد الخميس.
وفي غمرة الملفات المؤجّلة، يقول المصدر الوزاري نفسه، أنه على الرغم من اعتراض «التيار الوطني الحر»، فإن التمديد للقيادات العسكرية بات أمراً واقعاً وإن كان القرار الرسمي لم يصدر بعد. واعتبر في هذا الإطار، أن هامش ردود الفعل هو مضبوط، ومن الصعب أن يصل إلى مستوى تهديد أو زعزعة حكومة الرئيس تمام سلام، لافتاً إلى أن التحوّلات البارزة في الوضع الإقليمي خلال الأيام القليلة الماضية قد جعلت من أي تطوّر سياسي داخلي أمراً مستبعداً في الوقت الراهن، وذلك في انتظار جلاء الصورة في الحسكة وحلب.
وانطلاقاً من هذا الواقع الإقليمي المتحرّك، توقّع المصدر الوزاري نفسه، حصول تقلّبات في جدول الأولويات اللبنانية، والتي تتراوح في الوقت الراهن ما بين الإستحقاق الرئاسي والتوافق على قانون انتخاب جديد، أو التسوية السياسية الشاملة عبر سلّة متكاملة كما يقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري. وإذ وجد هذا المصدر، أنه على القوى السياسية الداخلية التقاط فرصة الإنشغال الإقليمي بدلاً من ترقّبها، أكد أن استمرار الترابط الوثيق مع الأزمة السورية والأطراف المتحكّمة بها، يجعل الأزمة اللبنانية في دائرة المراوحة القاتلة، ويدفع كل المبادرات الدولية والعربية والداخلية لإنهاء الشغور الرئاسي غير واضحة المعالم وتدور في حلقة مفرغة.
وفي هذا الإطار لفت المصدر عينه، إلى أن المسعى المصري الأخير في بيروت، قد أتى ليؤكد هذا الواقع السلبي، وذلك على الرغم من أن الأفكار التي حملها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القيادات اللبنانية، بقيت بعيدة عن التداول في النطاق الإقليمي، واقتصرت على الأطراف اللبنانية التي أكدت تمسّكها بمواقفها الجامدة.
وأفاد المصدر الوزاري نفسه، أنه في ضوء غياب الحلول للأزمة الرئاسية واكتفاء القوى السياسية الداخلية بالبناء على التطوّرات الإقليمية، والتي زادت تعقيداتها بعد عملية إعادة التموضع التركية، فإن أي ترقّب لنجاح أية وساطة مهما كان مصدرها أو حتى ضغوطات خارجية لتغيير المعادلة الداخلية، يبقى في غير محله، ومرشّح للإحباط والسقوط، وذلك على الرغم من قناعة كل القيادات الفاعلة بأن استمرار الشغور الرئاسي سيقود لبنان نحو الهاوية والإنهيار.
وخلص المصدر الوزاري ذاته، إلى أن المخرج الوحيد المتاح اليوم هو على طاولة الحوار الوطني، بصرف النظر عن وجود عجز عن اجتراح الحلول داخلياً، كون استمرار هذا الحوار يبقي على الواقع الحالي على جموده الإيجابي على الأقلّ من الناحية الأمنية.