التحرك السلمي ضد النفايات بكل أشكالها ليس مباراة في كرة القدم، وساحة رياض الصلح ليست ملعباً. امراء السياسة في لبنان لا يقبلون ان يسجل “رعاياهم” اصابة في مرماهم. روحهم ليست رياضة. الشارع هو فقط لانصارهم عندما يهتفون لهم ويسبحون بحمدهم، وليس فضاء لمحاسبتهم أو مساءلتهم على سجلهم الفاضح والمفضوح. تحقيق مطلب اجتماعي أو سياسي وطني عام تحت الضغط الشعبي ممنوع بكل الوسائل. الانتصار في معركة مطلبية قد يشجع أصحاب الحقوق المهدورة على المطالبة بأكثر، لذا يجب وأد التحرك في مهده. هكذا تعاملوا مع صرخة الناس ضد الروائح الكريهة كي لا تتحول غضباً شعبياً جامعاً يهز مقالع فسادهم. الذين أمروا العسكر باطلاق النار على المتظاهرين في وسط بيروت بعد ظهر السبت، هم أنفسهم من أوعز الى “زعرانهم” الشوارعيين منهم أو المتأنقين بـ”الاندساس” في اعتصام الاحد لاجهاضه من داخله. معنى ذلك ان ليس كل مهمشي الزواريب هم المشتبه فيهم، ذلك ان بينهم مقهورين ويعبرون عن قهرهم على طريقتهم. وليس كل الذين يخلطون عربيتهم بالفرنسية أو الانكليزية هم النخب الواعية التي لا شك في براءة نياتها، فبينهم ايضا من يسعى الى غايات لا علاقة لها بهموم الناس.
السلطات الطائفية المتنوعة التي تشكل مجتمعة النظام اللبناني وتتفق على أكل لقمة المواطن وتتخاصم على الحصص والمغانم، مثلها مثل انظمة الدول المجاورة تقرأ في كتاب القمع نفسه، وقمع نظام الطوائف لايقل عنفا عن قهر نظام الزعيم الاوحد. هناك يكفي اسقاط الرأس لاسقاط النظام. هنا المسألة أشد تعقيداً بما لا يقاس: التظاهر أمام السرايا الحكومية سيفسره عتاة السنة بأنه حرب على رمزهم، والاعتصام أمام مجلس النواب سيقرأه المتعصبون الشيعة مساً بزعامتهم السياسية، بينما زاد اقفال القصر الجمهوري احباط المسيحيين، وصارت احزابهم التي تشكو من تهميش الاقطاب المسلمين لدورها، تتوجس من أي تحرك شعبي لا يعيد الى زعمائها صلاحياتهم المفقودة.
باذكاء التعصب الطائفي يحمون سلطانهم، بالقمع المباشر يخيفون من لا يخضع لمشيئتهم، بوحدتهم ضد ما هو وطني وعابر للطوائف يمددون آجال غيهم ونهبهم، بالوعود الكاذبة يخلطون حابل فسادهم بنابل الحرص على الامن القومي… ينهبون ولا يشبعون. لا يسمعون انين الناس ما دام ابناؤهم والحاشية بالفحش ينعمون. يتجاهلون أبسط حقوق ناخبيهم ما دامت صناديق الاقتراع تجدد لهم البيعة في كل مرة. لا شيء يهزهم سوى ان يجتمع اكثر من لبناني من أكثر من طائفة ومن أكثر من منطقة على هدف وطني واحد. مطالبة اللبنانيين برفع نفاياتهم عنهم، لم تكن لتستدعي كل هذا الاستنفار وكل هذا الرصاص. لماذا ترفعون جدران العار حول قصوركم؟ هل بدأت هوائياتكم تلتقط اشارات الانفجار الكبير بعدما أوصلتم الناس الى حد الجنون أم انكم مستهترون بهذا الشعب الى حد اللامعقول؟