Site icon IMLebanon

الحرب في اليمن: بحسب النشرة

 

أتابع بين فترة وأخرى بعض القنوات التلفزيونية التابعة لما يسمى محور المقاومة العربي. مجموعة ليست بالقليلة من تلفزيونات لبنان وسوريا وفلسطين، بالإضافة إلى المحطات الفضائية الممولة من دولة قطر، سواء ما يعمل منها في الدوحة مثل «الجزيرة»، أو تلك التي تبث من بلاد المهجر كالتلفزيون «العربي» وغيره.

 

 

قنوات الشمال العربي المقاومة ذات الهوى الإيراني كانت طوال السنوات الماضية ولا زالت تعتبر السعودية خصمها الرئيسي، ليس لأن السعودية في موقع الخصومة من الدول التي تبث منها هذه القنوات، وإنما لأن السعودية «تقاوم» بكل قوة محاولات النظام الإيراني المستميتة للهيمنة على المنطقة العربية.

 

أما قناة الجزيرة وربيباتها فكانت تلبس طوال سنوات مضت ثوب «مقاومة كل شيء» لتجذب المشاهد العربي المتذمر القابل للتجنيد تحت أي عنوان للمعارضة. كانت طوال سنوات تهاجم النظام في مقابل الفوضى (الشعبية). تميل إلى تلميع التنظيمات في مقابل الدولة. تدعم وجهات النظر المخالفة لتربك النظام العام لا أقل ولا أكثر. وفي الأشهر العشرة الأخيرة أظهرت عداوتها المغلفة للسعودية إلى العلن. أجبرتها المقاطعة العربية لقطر على أن تكشف أوراقها، وتظهر حقيقة أجندتها التي كانت تمررها في السابق بلغة مراوغة ومخادعة.

 

هذه القنوات الفضائية المقاومة تتناول عاصفة الحزم ومشروع إعادة الأمل لليمن– وهذا محور حديثنا في هذه المقالة– بلغتين ورسالتين متضادتين تماماً وفي شكل يدعو للسخرية والتعجب! فمرة، السعودية تغرق في المستنقع اليمني ولا تستطيع إنهاء الحرب التي بدأتها منذ أكثر من 3 سنوات، وتواجه مشكلات عويصة في إدارة الحرب في ظل تفوق حوثي عسكري يكبر يوماً بعد يوم. ومرة، السعودية تحتل اليمن وتمارس خروقات قانونية وانتهاكات إنسانية للشعب اليمني المسكين الفقير!

 

من يتابع هذه القنوات الفضائية ليوم واحد فقط وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة سيرى العجب، فهاتان الرسالتان ستتبادلان الأدوار عشرات المرات خلال ساعات البث. ففي نشرة الأخبار الصباحية سنشاهد أن السعودية تعاني كثيراً ولا تستطيع الخروج من الأزمة اليمنية. ثم سنكتشف في البرنامج الحواري بعد الظهر أن السعوديين يمارسون تنكيلاً ممنهجاً بالشعب اليمني. ثم نعبر بعد الساعة الرابعة عصراً إلى تعليق خبير في شؤون الشرق الأوسط يتحدث في تقرير عن اليمن عن حاجة السعودية للدعم الإمبرياصهيوني لتأمين حدودها في مواجهة الثوار اليمنيين الذين ينادون بالموت لأميركا وإسرائيل!! ثم نعود في المساء لحديث متبادل بين ضيفين منتقين بعناية شديدة يتناولان فيه الكوليرا والفقر والموت المجاني في اليمن!

 

هذا الفقر الإعلامي والرداءة المهنية أوجبتهما حاجة هذه القنوات للتشويش على السعودية على أكثر من جانب. فعندما تريد هذه القنوات توجيه رسالتها للشعب السعودي، فإنها تعمد إلى إظهار الجيش السعودي وكأنه عالق في مستنقع هذه الحرب ولا يستطيع الخروج منها بسهولة، ويفقد كل يوم عشرات المقاتلين في ساحة معركة عبثية. تفعل ذلك في محاولة لصنع رأي عام محلي ضد الوجود السعودي في الأزمة على أمل أن يسهم هذا الرأي العام الضاغط في تغيير موقف الحكومة السعودية من هذه الحرب.

 

وتوجه قنوات المقاومة نفس الرسالة بتفاصيلها المملة والهشّة للحوثيين والداعمين لهم في داخل اليمن وخارجها، ساعية من وراء ذلك إلى رفع معنوياتهم لمنع انهيارهم أمام قوات الحكومة الشرعية. تحاول على مدار اليوم وفي أوقات متفاوتة على إظهار التفوق الحوثي في التغطيات التلفزيونية المختلفة من خلال تمرير معلومات وتقارير مغلوطة تظهر الحوثيين وكأنهم يتجولون في مدينة أبها السعودية! وكل ذلك من أجل إثبات أن إيران على حق أولاً، وثانياً من أجل أن يشعر الحوثي وداعم الحوثي أنه يسير في الطريق الصحيح.

 

أما الرسالة الثانية، فهي تُوجه في العادة إلى المجتمع الدولي والشعوب العربية لدفعها للضغط على السعودية لإيقاف مشروع إعادة الأمل، والقبول بنتائج ما بعد الواحد والعشرين من سبتمبر 2014! الآلة العسكرية السعودية، التي كانت منهزمة ومتورطة في الرسالة الأولى، تظهر في الرسالة الثانية وكانها قوة عظمى تجتاح الأراضي اليمنية بلا رحمة أو مراعاة للقوانين الدولية المتعلقة بتنظيم الاشتباكات العسكرية في الحروب! السعوديون في الرسالة الثانية، استطاعوا خلال فترة قصيرة احتلال اليمن بجانب الإماراتيين، وأصبحوا أسياداً ونظّاراً على الاقتصاد اليمني والخيرات اليمنية (التي لم نكن نسمع بها قبل عاصفة الحزم)!!. تصيح هذه القنوات: اليمني المسكين أصبح تحت رحمة السلاح السعودي، فأين المنظمات الدولية؟! وأين الحق العالمي؟ وأين الضمير الإنساني كي ينقذ اليمن؟!

 

من يستطيع أن يخصص يوماً «فائضاً عن الحاجة» لمشاهدة هذه القنوات المفتقدة للمهنية الإعلامية والسياسية على حد سواء سيكتشف عدداً كبيراً من التناقضات يصعب حصرها، وسيكتشف كيف أصبحت بعض العقول الإعلامية العربية تدار بالريموت كونترول من طهران. كما سيكتشف- وهذا المهم- تهاوي وسقوط المقاومة المزعومة، على يد نفس الأصوات التي قامت عليها!

 

وعلى رغم تناقض الرسالتين، اللتين نُحتتا لهدفين مختلفين، إلا أن الجواب السعودي حاضر في الحالتين. السعودية ليست عالقة في المستنقع اليمني، لأنها ببساطة ليست في حرب مع اليمنيين، وإنما الحرب الدائرة هناك هي بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين. وكل ما تفعله المملكة هناك هو دعم اليمنيين الوطنيين الساعين لاستعادة بلدهم من الاحتلال الإيراني.

 

أما انتهاكات حقوق الإنسان وإفقار الشعب اليمني، فليت الأمم المتحدة وباقي المنظمات الإنسانية العالمية تتدخل لمساعدة اليمنيين وإخراجهم من دائرة تجويع الحوثيين لهم، تماماً مثلما يفعل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.