ما بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حرب الف طعن وطعن وفق الاوساط المواكبة لايقاع الرجلين اللذين لا ينامان على همّ عتيق ولا على ضيم، فعون لم ينس حتى الساعة «تخريجة» تطيير نصاب المجلس الدستوري يوم كان رئيساً لتكتل «الاصلاح والتغيير» اثر تقدمه بطعن ضد التمديد للمجلس النيابي الحالي وفاز بري يومها بضربة جزاء، وربما ما يحصل اليوم وفق المراقبين ان عون لن يسمح في عهده بأي «فاول» دستوري كما كان يجري سابقاً في مسيرة «التطنيش» التي حكمت رؤساء الجمهورية في زمن الوصاية السورية والتي افسحت المجال لبري ان يكون اللاعب الاقوى على الحلبة على خلفية «الامر لي» في استرداد مشروع لهيبة الموقع الاول في الدولة عبر محطات معروفة لن تكون اولاها الخلاف حول سلسلة الرتب والرواتب والقانون الضريبي ولا آخرها مرسوم الاقدمية «لدورة 1994» المعروفة «بدورة عون» بعدما قالت كلمتها «هيئة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل» في المسألة، وربما ما يزيد في الخلاف بين الرجلين اضافة الى ممارسة وزير الخارجية جبران باسيل مهامه في وزارته التي جعلت الماء تغلي في عروق بري وايعاز حركة «امل» للمحسوبين عليها بمقاطعة «مؤتمر الطاقة الاغترابية» في ساحل العاج في 3 من شباط المقبل اختلاف الاثنين من حيث الشخصية كونهما من قماشتين مختلفتين ومتناقضين في آن كذلك فان الامر ينسحب على كيفية ممارسة الرجلين فن الممكن في مقاربة الملفات الساخنة، فرئيس الجمهورية صاحب اسلوب مباشر يسمي الاشياء باسمائها بعيداً عن التوريات وما تحمله من رموز في وقت يلجأ فيه رئيس مجلس النواب في معظم الاحيان الى التلميح دون التصريح، كي لا يقطع شعرة معاوية مع احد وهو المعروف بسعة الكم الذي غالباً ما يطلق منه ارانب الحلول حتى وصل الجميع الى المأزق.
وتضيف الاوساط انه على صعيد التركيبة الشخصية لعون: فهي نقيض تركيبة شخصية بري فالجنرال جدي حتى الصرامة، لا يمزح وهو على خصام مزمن مع الضحك، لا يحب «النكات» ولا «الزكزكة» سريع الغضب على عادة العسكر حيث لا وجود لحلول وسط في قاموسه ولا مكان للون الرمادي، ابيض او اسود فكيف الحال والرجل عاش المنافي طيلة 15 عاماً ولم يستطع احد ان «يأخذ توقيعه».
وتشير الاوساط الى ان شخصية بري هي نقيض شخصية عون، فالرجل على طريقة الجاحظ يقول «النكتة» و«لو حضرته في المسجد»، مرح الى اقصى الحدود، يكسر رتابة الجلسات النيابية الطويلة حيث يقطعها بعض النواب بغفوة، «بقفشات» تعيد الحيوية الى البرلمان، لا ينسف الجسور مع احد وغالباً ما يلعب دور الاطفائي في عز الحرائق لا سيما وان المرحلة بالغة الاستثنائية والدقة، جمع في عمله السيف والقلم ونجح في جمع رئاستين في قبضته رئاسة مجلس النواب ورئاسة حركة «أمل»، رجل منبر يتقن فن الخطابة ويقرض الشعر في المناسبات الموصوفة، واذا كان بري نقيض رئيس الجمهورية الا ان ما يجمعهما العداء الاسرائيلي على الصعيد الوطني والدهاء المشترك على المستوى الشخصي.
وتقول الاوساط ان التراكمات بين الرجلين بدأت مع وصول عون من المنفى وخوضه الانتخابات في وجه التحالف الرباعي واكتساحه المناطق المسيحية بمعظمها، وتلا ذلك تحالف «التيار الوطني الحر» مع «حزب الله» عبر توقيع «ورقة التفاهم» حيث رفض بري الاصطفاف معهما في حلف واحد مفضلاً الابقاء على مسافة من عون نظراً الى علاقته مع النائب وليد جنبلاط وما يعني ذلك على كافة الصعد والذي حذّر الجميع من «التسونامي» يوم عودة الجنرال من المنفى، اما المحطة الثانية التي وسعت الشرخ بين الرجلين فكانت انتزاع جزين كدائرة انتخابية من ظل عباءة المصيلح ووضعها تحت العباءة البرتقالية حتى اشعار آخر، وجاءت الانتخابات الرئاسية لتكلل قمة التباينات بين الطرفين اذ رفض بري السير بترشيح عون للكرسي الاولى داعماً النائب سليمان فرنجية فكانت معركة «الورقة البيضاء» التي استنزفت اعصاب عون في الجلسة لما احاطها من مشاكسات وانتهت بفوز عون رئيساً للجمهورية دون ان يعلنه بري رئيساً كما تقتضي الاعراف الدستورية، وصولاً الى سلسلة الرتب والرواتب حيث دعا عون الى اقرار الموازنة بداية ثم الانتقال اليها الى ان اسقط المجلس الدستوري قانون الضرائب الكفيل بتمويلها، وما كلمة «هيئة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل» بشأن «دورة ضباط 1994» التي أكدت صوابية موقف رئيس الجمهورية، الا محطة في سلسلة محطات المنازلة بين الرجلين التي بدأت مع العهد ولن تنتهي الا في نهايته خصوصاً وان الطرفين يتقنان لعبة «عض الاصابع».