المبالغة هي، تاريخيا، جزء من التقاليد الايرانية. وليس من المفاجآت في المواجهة مع الرئيس دونالد ترامب ان يزايد الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف على قادة الحرس الثوري والمحافظين المتشددين في الكلام على قوة ايران ودورها الاقليمي وتوسع نفوذها وتجذره. فاللعبة مع اميركا وحلفائها في المنطقة دخلت مرحلة حرجة بعد تهديد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، واعلان استراتيجية عنوانها كبح النفوذ الايراني، وتشديد العقوبات على الحرس الثوري الداعم للارهاب. وهي تستدعي دفاع طهران عن الاتفاق النووي، وتصوير الحرس الثوري كأكبر قوة في محاربة داعش. كذلك الأمر حيال التحسب لأن تقود حسابات روسيا ومصالحها في سوريا ومع السعودية واميركا وتركيا واسرائيل الى الحد من نفوذ ايران في سوريا وتقليل الحاجة الى دورها في نهاية الحرب على داعش.
ذلك ان الرد الاول لروحاني على ترامب كان قوله إن شعبية الحرس الثوري لا تقتصر على الشعب الايراني بل تتعداه الى الشعب العراقي لانه انقذ بغداد، والى كرد العراق لانه انقذ اربيل، والى الشعب السوري لأنه انقذ دمشق، والى الشعب اللبناني لانه نصير لاستقلال بلده وسمعته. وقبل ايام وسع البيكار بالقول إن عظمة الامة الايرانية في المنطقة اكبر من اي وقت مضى وانه أين يمكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال افريقيا والخليج اتخاذ قرار حاسم من دون ايران؟ وما قاله ظريف هو انه لولا تضحيات الجمهورية الاسلامية لكان داعش اقام حكومته في دمشق وبغداد واربيل.
ولا احد ينكر ان ايران قوة اقليمية بصرف النظر عن تصنيفها قوة اقليمية ودولية كبرى بلسان الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري. لكن المبالغات في الخطاب الايراني تخلط الواقع بالخيال وتجعل من الصعب الفصل بين الوقائع والتمنيات. والرئيس سعد الحريري على حق في رفض كلام روحاني والتأكيد ان لبنان دولة عربية مستقلة ولن نقبل بأي وصاية. والوقائع ناطقة: البيشمركة منعت داعش من الاقتراب من اربيل وحمت كركوك وسواها بعد انهيار الجيش العراقي امام داعش في الموصل. الدخول العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا حمى النظام الذي كان مهددا بالسقوط خلال شهرين كما اعترفت موسكو، برغم الدعم الايراني. ولولا الدور العسكري الاميركي جوا وبرا لما كان من السهل على القوات العراقية تحرير الموصل وسواها.
لكن من الصعب تجاهل النفوذ الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث اللعبة هي تشكيل ميليشيات مذهبية مرتبطة بفيلق القدس. والمسألة ان طهران تبالغ في تصوير قوتها وخصومها يبالغون في تصور ما لديها من نقاط ضعف.