مثل تجار الخضر والبائعين المتجوّلين في سوق شعبي، ينتشر تجّار الممنوعات في بقعة أمنية صغيرة، ذاع صيتها تحت اسم «حي الجورة» و«حي السيمو»، على أطراف مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت. لا تشبه هذه المنطقة غيرها على كافة الأراضي اللبنانية، لكونها تقع ضمن مثلث يضم الفلسطينيين واللبنانيين والأكراد.
هنا في هذا المثلث يجد المطلوبون حريتهم، إذ لا تدخلها القوى الامنية اللبنانية بحجة أنها تقع ضمن أراضي المخيم، وفلسطينياً لا تتدخل اللجنة الأمنية بحجة أنها أراض لبنانية. ورغم ذلك، نفّذ الجيش وعناصر من مكتب مكافحة المخدرات المركزي عمليات دهم متعددة، إلا أن الفاتورة كانت باهظة على القوى الأمنية بسبب ضيق الأحياء، واستحالة استخدام الآليات.
هنا تجّار حشيشة الكيف يضعون بضاعتهم على «بسطات خشبية» متنقلة. في أحد المحال الذي يبدو للوهلة الأولى كدكّانٍ في ضيعة صغيرة، تتوزّع عشرات صناديق «السيمو» (دواء للسعال يُستخدم كبديل من المخدرات). المبيع هنا بالجملة والمفرق. وقد نال الحي تسمية «حي السيمو» من كثرة المترددين إليه للسؤال عن «قنينة سيمو». ليس بالـ«سيمو» وحده يعيش تجار الممنوعات هنا. «حنجور البنزكسول» رفيق دائم لبعض الشبان المنتشرين في الأزقة. مادة الهيرويين ونبتة السلفيا توزع هنا.
بعض التجار صاروا يبيعون المخدرات على «بسطات» في الأزقة
وإلى جانبهما، تجد مختلف أنواع «مخدرات الفقراء»، بأقل كلفة ممكنة. لكن إلى جانب «مخدرات الفقراء»، تجد هنا الكوكايين أيضاً. أشهر تجار هذه المادة هو حسين ش. الملقّب بـ«حسين باز». يأتي بعده كلّ من د. ش. وع. ي. الذي يعاونه أولاده، ويلقّب بـ«الشايب». هؤلاء يتاجرون بـ«السيمو». يبرز أيضاً أحد أشهر المروّجين المدعو ع. ح. الذي يتزعّم مجموعة تفرض خوّات حتى على تجار الممنوعات هنا. تضاف إليهم مجموعة أسماء تقتات من تجارة المخدرات. ليس هذا فحسب، بل حتى المروّجون الذين تم توقيفهم لا يزالون يديرون أعمالهم من داخل السجن عبر الهواتف. الناس هنا مغلوب على أمرهم. يلقون باللائمة على الدولة اللبنانية واللجان الفلسطينية، إذ إنهم متروكون لمصيرهم. حتى إن بعض سكان هذه المنطقة باعوا منازلهم خوفاً من عصابات الحي أو حرصاً على أن لا ينشأ أولادهم في كنف مروّجي المخدرات. ويروى أن أحد سكان المنطقة باع مبنى كاملاً بملبغ 120 ألف دولار لأحد تجار الممنوعات. الدولة هنا تتحمّل المسؤولية في تنامي هذه الحالة، فضلاً عن أنها مقصّرة بحق هؤلاء الذين يعيشون في حزام بؤس في حالة اجتماعية يصعب وصفها. هؤلاء الذين يدفعون ثمن كلّ هذه الحروب التي لا تنتهي، وليس لأكثرهم خيار المغادرة والسكن بعيداً، وبالأحرى ليس لديهم القدرة، فهم بالكاد يقدرون على توفير الطعام والشراب.